5 دقائق

اليوم العالمي للتسامح

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

جميل أن يخصص 16 نوفمبر تشرين الثاني من كل عام يوماً عالمياً للتسامح، لإقامة تفاعلية عالمية تنشد التسامح بين الناس، فإن التسامح يعني لين الجانب والقول، وبسط الوجه وغض الطرف عن الزلات، والحلم عن الإساءات، والعفو عن الناس...، ولا ريب أن هذه معانٍ خُلقية عظيمة تجتمع البشرية على مدحها والحث عليها، فهذا ما يعنيه التسامح المنشود المحتفى به.

• دولة الإمارات العربية المتحدة أنموذج حاضر ناظر للتسامح الإسلامي، حيث يتعايش الجميع تحت رايتها الوارفة الظلال بحقوق متساوية.

وقد جاء الإسلام متوجاً لهذا الخلق الكريم، فجعله أحد أسسه الراسخة من القيم الخلقية التي عُنِي بها القرآن الكريم، حثاً عليه، وترغيباً به، وإشادةً بأهله في نحو 100 آية من الذكر الحكيم، كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ﴾، إلى غير ذلك من الآيات المعلومة، ليكون المسلم مفعماً بالتسامح مع نفسه ومع غيره، ذلك لأن الدين كله عقائده وعباداته مبنية على التسامح، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الدين إلى الله الحنيفيَّة السمحة»، فليس فيه إصْر ولا تكليف بما لا يطاق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للتسامح الذي أراده الله تعالى من عباده، فكان لا ينتقم لنفسه، ولا يستقصي حقه، ولا يشدد على غيره في عبادة أو تشريع، وكان يعامل أعداء دعوته بكامل الإنصاف والإحسان، فعايش اليهود وتعامل معهم وأحسن إليهم وأعطاهم حقوقهم كاملة، ورسخ مبدأ التعايش بوثيقة عادلة ـ وثيقة المدينة - لم تشهد البشرية مثلها قبلُ ولا بعدُ، حيث جعلت حقوق المواطنة متساوية، بل عايش المنافقين المتربصين بدعوته الدوائر، الذين كانوا عيوناً وعوناً لأعداء الإسلام من خارج المدينة، ومثل ذلك لا يغتفر في القانون العام لسياسة الدول، قديماً وحديثاً، ولقد كان أصحابه، رضي الله عنهم، يراودونه في التنكيل بهم فيأبى، خشية أن يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه، ولعل الله أن يهديهم أو يخرج من أصلابهم من يهتدي، كما أنه كان إذا ظفر بأعداء دينه أو أعداء شخصه الشريف لم يتشف بأحد، بل يقول: لا تثريب عليكم، وإن تمكن ممن أراد قتله كان يعفو ويصفح..

كل ذلك ليعلِّم أمته التسامح الذي بعث به، والرحمة التي تحلى بها خِلقة وخُلقاً، فتعلمت أمته ذلك منه، وسار على نهجه خلفاؤه وأمراؤه المؤتسون بسنته وهديه.

وقد كان من هديه، صلى الله عليه وسلم، لسلوك هذا المنهج أن رغّب فيه أيما ترغيب، كقوله: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به»، وقوله: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، وقوله: «حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر». قال: «قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه»، إلى غير ذلك في سائر الأحوال.

كل ذلك ليدل على أن هذا الدين كله سماحة وتسامح، فهو دين يسبق التشريع الأممي بقرون متطاولة، ويشجع من يسلك هذا المسلك ويمدحه.

ولا ريب أن الديانات الأخرى نهجت هذا النهج في التسامح تشريعاً وندباً، وكثير من أتباعها يتحلون به، لذلك اقترحوا الاحتفال به سنوياً احتفالاً «كونفرالياً» عالمياً، لكننا نرغب ونحبذ أن يكون سلوكاً حضارياً دائماً مستمراً، إحياءً لتعاليم الشرائع، وتماشياً مع القيم الخُلقية المشتركة التي تواضعت عليها الأمم.

ونحن المسلمين نفخر ونفاخر الأمم بتأريخنا الحافل بالتسامح بكل صوره، لاسيما مع الآخر، فقد عايشنا مختلف الديانات، وحميناها من الاضطهاد الذي عانته الأقليات من الأمم القوية، فقد عاشت النصرانية واليهودية والمجوسية واليزيدية وغيرها في حواضر الإسلام بكامل حقوقها وبالغ مشاركاتها في البناء وتشييد الحضارات.

وهذه دولة الإمارات العربية المتحدة أنموذج حاضر ناظر للتسامح الإسلامي، حيث يتعايش الجميع تحت رايتها الوارفة الظلال بحقوق متساوية، وعدالة واحدة، فلو أن الدول الأخرى نهجت هذا النهج لكانت الإنسانية في خير عميم.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

 

تويتر