5 دقائق

إعلاميون بالصدفة!

عبدالله القمزي

في أي صحيفة يومية تجد مقابلة مع إعلامي أو إعلامية محلية تقول في عنوان المادة: «دخلت الإعلام بالصدفة». بعد شهر وشهرين وحتى سنة، تجد العنوان نفسه وليس بالضرورة للإعلامي نفسه.

في المجلات الفنية تجد العنوان الكليشيه نفسه مكرراً. بل لو كتب أحد جملة «دخلت الإعلام بالصدفة» في «غوغل» ستقرؤون بأنفسكم تصريحات لعشرات الإعلاميين العرب كلهم قالوا إنهم دخلوا المجال بالصدفة! وهو ما وجدته صادماً.

نجوم الإعلام والفن المحليون والعرب لا يتمتعون بـ1٪ من نجومية مشاهير الإعلام الغربي والأميركي، وعندما تقرأ خلفيات نجوم الإعلام الغربي لا تجد أي صدف، وإنما تجد شغفاً.

فما الفرق بين الصدفة والشغف؟ الصدفة تعني أن الإعلامي المحلي/‏‏‏ العربي - ذكراً كان أو أنثى - لم يخطط لمستقبله ولم يخطر الإعلام على باله، وإنما دخل عشوائياً ونجح بسبب موهبته وذكائه! لكن عندما ننظر إلى الجانب الإعدادي من المسألة نجد أن كليات الإعلام والجامعات منتشرة في كل ربوع العالم العربي، ما يعني أن هناك سوق عمل تريد هؤلاء، وبالتالي فإن المنطق لا يقبل الصدفة.

الشغف يعني حباً شديداً للإعلام، وتعلقاً به إلى درجة الالتزام به حتى دون مقابل مادي، لأن الشغف هو الدافع ولا يوجد أقوى من الشغف كمحفز لأي شخص لأداء أي عمل. لو قرأتم مقابلة لإعلاميين غربيين ستلاحظون أنهم بدأوا منذ أيام المدرسة الثانوية، وحتى الذين لم يكملوا الجامعة منهم قادهم شغفهم إلى وظيفة إعلامية.

يتفق الإعلاميون الغرب على وجود واجب ومسؤولية تجاه المجتمع وتثقيفه وإرشاده إلى سبيل تحقيق المصلحة العامة، ولو بحثت في خلفية معظم نجوم السينما والتلفزيون في الغرب تجد أنه كان ممثلاً منذ طفولته.

الحقيقة أن صُدف الإعلاميين المحليين والعرب ليست كذلك إلا من منظورهم فقط، وبما أن الأغلبية إعلاميون بالصدفة، فيعني أن الأمر خرج من نطاق الصدفة وأصبح تدبيراً مسبقاً بالنسبة للناس.

ثم، لماذا نهتم بالصدفة لو كان هذا الإعلامي/‏‏‏الإعلامية صاحب إنجازات وشعبية كبيرة، لم تعد الصدفة مهمة قياساً بحجم المنجزات، لكنها تصبح مهمة لو أنجز هذا الإعلامي شيئاً واحداً عظيماً للإنسانية ثم ترك المجال، وأغلب الإعلاميين العرب يفخر بإنجازات كثيرة ولا يكتفي بواحد.

بروفيسور علم النفس برنارد بيتمان ذكر في دراسة، أن معظم الشخصيات التي تنسب نجاحها إلى الصدف هي إما متدينة/‏‏‏روحانية، أو تنسب معلومات من مصادر أخرى لنفسها، أو شخصيات تحب البحث عن معنى كل شيء في الحياة. وفي دراسة أخرى تبين أن الناس متحيزة لصدفها بسبب تضخم عقدة الأنا، وكل فرد يجد صدفه مفاجئة أكثر من غيره، وكثير منها ليس صدفاً بالنسبة للآخرين.

ختاماً، أراد صياد اصطياد غزال في غابة، فهرب الغزال ووجد أمامه أسداً، فأكل الأسد الغزال. هل هذه صدفة؟ نعم، لأنه مشهد لا يحدث كل يوم ومن النادر ملاحظته، هذا تعريف الصدفة. أما وجود أغلب الإعلاميين في المجال بالصدفة فهو غير منطقي، وفهم خاطئ لمعنى الكلمة. وادعاء أن نجاح هذا الإعلامي /‏‏‏الإعلامية حدث بسبب العبقرية دون أي تخطيط، هذا حتما غير صحيح.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر