5 دقائق

الذكاء أم الضمير

الدكتور علاء جراد

يحمل لنا كل يوم أنباء جديدة عن التكنولوجيا وتطوراتها المتسارعة التي أصبحت تعصى على الفهم، وشيئاً فشيئاً تتحكم في حياتنا اليومية ومستقبلنا بطريقة يصعب معها القيام بخطوة للوراء أو حتى تغيير الاتجاه، فقد تعود الناس على ترك حياتهم ملك وسائل التكنولوجيا والتواصل، ففي السابق كنا نذهب للشاطئ لمشاهدة الغروب فنستمتع بالمنظر ونعيش لحظات من التأمل، أما الآن فنذهب للبحر ولا إرادياً في يدنا الهاتف المحمول لالتقاط «سيلفي» للحظة الغروب حتى نضعها على الـ«فيس بوك»، ثم نبدأ متابعة الصفحة كل دقيقتين لمعرفة كم الإعجاب بتلك اللقطة، ثم نبدأ الرد على التعليقات، وهكذا، لدرجة أنه إذا كان هناك شخص يغرق، فبدلاً من محاولة إنقاذه نلتقط «سيلفي» معه!

• ماذا لو سيطرت الآلة بذكائها على الإنسان، بضميره وقيمه، فبدأت اتخاذ قرارات إنهاء حياة كبار السن الذين تزيد كلفة رعايتهم الصحية على حد معين؟

في مؤتمر عالمي للتكنولوجيا عقد في ألمانيا، الأسبوع الماضي، تمت مناقشة موضوعات حيوية حول شكل المستقبل، ويكفي أن نعرف أن 76% من جميع المعاملات التكنولوجية في العالم تمر عبر أجهزة أو تطبيقات مملوكة لشركة «ساب» SAP ، فشركة واحدة لديها هذه القوة، ناهيك عن القوة التي لدى «غوغل» و«مايكروسوفت»، و«أبل» و«فيس بوك» وإلى نهاية القائمة، كيف أن تلك الشركات يمكنها التحكم في حياتنا اليومية، وتعمل حالياً الكثير من تلك الشركات معاً لتطوير تقنيات أكثر تطوراً مثل «جيل الصناعة الرابع» أو Industry 4.0، والتعلم من الآلات، وإنترنت الأشياء، وسلاسل الكتل Blockchains وجميعها تقنيات في غاية التطور ستجعل الآلة تسود والروبوتات تتحكم في حياتنا، ولكن المعضلة أن تلك التقنيات ستزداد ذكاءً مع فصل الذكاء عن الضمير. ما تعدنا به الآلة الآن هو عمر أطول بسبب الرعاية الصحية الفائقة باستخدام تقنيات مثل «البيانات الضخمة»، حيث يسهل الدخول لقواعد البيانات والأبحاث حول العالم، ويكفي أن يتم إدخال أعراض المرض فيأتي التشخيص بمنتهى الدقة مصحوباً بوصف العلاج.

السؤال المهم، ماذا لو سيطرت الآلة بذكائها على الإنسان بضميره وقيمه، فبدأت الآلة اتخاذ قرارات إنهاء حياة كبار السن الذين تزيد كلفة رعايتهم الصحية على حد معين؟ ماذا لو أغرقنا في المادية أكثر مما نحن فيه الآن وأصبحت لغة الأرقام والبيانات هي العملة الجديدة من دون النظر إلى الاعتبارات الأخلاقية والدينية والإنسانية؟ هناك بالفعل كثيرون بدأوا التشكيك في القيم والثوابت التي تربت عليها البشرية منذ فجر التاريخ، ويتبعهم المريدون الذين يرددون شعاراً لا يفقهون مضمونه؛ وهو أن الإنسان سيعيش فقط مرة واحدة YOLO، ودورنا هنا أن ننتبه جيداً لأنفسنا ولأبنائنا، فـ«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر