5 دقائق

مسلمو الروهينغا وإرهاب العالم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

اتُّهم الإسلام بالإرهاب والعنف وغير ذلك ممّا ساغ للشانئين أن يقولوه، وقد يكون لهم شبهة فيما يدّعون بما يفعله بعض المنتسبين للإسلام ممّن عميت أبصارهم عن حقيقته، وطمست قلوبهم عن معرفته، ونحن ندفع تلك التهم الباطلة بحقائق الإسلام، وأخلاقياته العظيمة، التي هي حاكمة على تصرفات المسلمين، لا العكس.

وفي هذا الدفع الدامغ ما يجلي الحقائق، ويذهب الزيف.

ولكن ماذا يقول الإنسان لعالَمه وهو يرى إرهاباً لم تعرف البشرية مثله، إرهاباً رسمياً ترعاه الدولة ورموزها المتدينون، يمارس في أضواء النهار، وعلى مرأى ومسمع من العالم المتحضر - كما يسمى بذلك زوراً - وتطّلع عليه هيئة الأمم المتحدة، والدول العظمى التي تزعم أنها تحترم حقوق الإنسان وتدافع عنها؟!

ماذا يقول هذا الإنسان وهو يرى ذلكم الإرهاب الذي تقشعر منه الأبدان، ويشيب الولدان، في حق الروهينغا في بلاد البورما «ميانمار» البوذية، إنه إرهاب دولي، حيث إن العالم كله يرى ويسمع مثل ذلك ثم لا يحرك ساكناً لمنعه، فضلاً عن محاسبة فاعليه، بل إنه منح هرم هذا الإرهاب جائزته العالمية للسلام! فماذا بقي من مكافحة الإرهاب المزعومة إن لم يكافح هذا الإرهاب؟!

إن العالم الفاعل المتحضر القوي المسيطر الذي يشاهده ولا ينكره هو إذاً شريك فيه، وواجبه أن يعيد نظره في دعواه العريضة بمحاربة الإرهاب، ويتذكر أدبياته المشهورة «الإرهاب لا دين له ولا وطن» فإنه يدرك الآن أن الإرهاب قد صبغ بصبغة دينية مقيتة، فهؤلاء البوذيون الإرهابيون الذين شوهدوا وهم ببزاتهم الدينية يحرقون الأحياء، ويقطعونهم أشلاء، وينكّلون بهم أحياء، إنما يفعلون ذلك بعنصرية دينية مقيتة، مع أن «بوذا» كما يقولون: رجل سلام ووئام، فماذا قال العالم المتحضر لهذا الإجرام المنقطع النظير على النوع الإنساني؟!

ومعلوم أنه لا يوقف هذا الإرهاب إلا حزم دولي ابتداءً من تشريعات الأمم المتحدة، وانتهاءً بفعل حازم، يمنع تكراره ويرفع الظلم عن البقية الباقية من مسلمي بورما، ليعيشوا في ديارهم ومزارعهم وبلادهم ومساجدهم وأعرافهم، فهم أمة مسالمة لم يعرفوا العدوان، بل ولا قابلوه بمثله، فهم أضعف خلق الله عدداً وعدة وإرادة، فلذلك استضعفوا هذا الاستضعاف المهين.

أما المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها فحيث إنهم لا يقدرون على فعل شيء لعجزهم، وهوانهم على الناس؛ فإن واجبهم تبنّي مظلوميتهم في المحافل الدولية لعلهم يُسمعون من به صمم، ويبصِّرون من به عماية أو على بصره غشاوة، ولعل أمثالنا لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن كانت لديهم وسائل النصر بالمدد المادي والمعنوي فإنهم لا يقصرون، فما من مسلم إلا وقلبه يتفطر، ودموعه تتقاطر على هذا الإجرام الذي لم يشاهد مثله فظاعة، مع عدم مقاومة ولا ممانعة.

لكن العتب كله على الدول المجاورة الكثيرة العدد والعدة التي تتعامى عن إنكار المنكر وهي قادرة على تغييره بالقول والفعل، فبماذا تجادل عن نفسها أمام ربها وأمام شعوبها؟

إن هؤلاء المغلوب على أمرهم هم مواطنون مسالمون، لم يخرجوا على سلطة، ولم يشهروا السلاح في وجه أحد، بل لا يجدونه، وليس لهم من ذنب ولا جريرة غير أنهم {يؤمنون بالله العزيز الحميد}، فلذلك تشق لهم الأخاديد، ويكبلون بالحديد، ويحرقون بنار حامية، ويمزقون أشلاء متناثرة، ولو كانت سباع الوحوش جائعة لامتلأت بطونها بالواحد والاثنين وعافت الباقين، أما الوحوش البشرية فإنها لم تشبع، فذهبت تحرق أحياءً كاملة، وتسوق الأحياء من رجال ونساء وأطفال وعجزة إلى المحارق كما تُساق قطعان الأغنام، ويقذف بهم في النار الحامية بأيدي الرهبان، فماذا بقي من ضمير في الإنسان الذي يفعل ذلك أو يؤيده؟! فحُق لهؤلاء أن يعلنوا تخليهم عن الإنسانية والانتساب إلى الحيوانية المتوحشة التي تفتك وتقتل هواية وبالهوية.

فاللهم إليك نشكو ضعفهم، وقلة حيلتهم، وهوانهم على الناس، أنت رب المستضعفين، وناصر المستنصرين بك يا ذا القوة المتين.

 «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر