أبواب

وتبقى ابتسامتك..

أحمد حسن الزعبي

المرض لا يليق بالنجوم، فإما توهج دائم أو انطفاء مفاجئ، أنا لا أحب القصور التدريجي وخفوت الوهج، لأنه يصنع مزيداً من العتمة، ومزيداً من الألم لهالة الكوكب اللامع بعيداً بعيداً..

لا أحب الصور التي تلتقط للفنانين الكبار على أسرّة الشفاء، لا أحب أن أرى ذاك الانكسار في عيونهم، وذلك القلق، وذلك الخوف، وذلك الإقصاء عن الشاشات والمسارح وحديث الناس، لا أحب أن أرى أنابيب «المغذّي» معلقة فوق رؤوسهم، وتمنّ عليهم بالحياة نقطة نقطة، وهم الذين كانوا يعطوننا جمال الحياة بالجملة ودفعة واحدة، لا أحب أن أرى «البيجامات» الفضفاضة، وثياب الجراحة المفتوحة من الخلف، وأجهزة التنّفس، وجرار الأوكسجين، حول أسرّة الفنانين الذين غنّوا للحياة، ومثّلوا للحياة، للّذين أطلقوا فراشات السعادة بكل اتجاه دون تمييز أو مقايضة..

الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا كان ومازال أجمل النجوم، وألمعهم، وأطيبهم، كان «ابتسامة الخليج» الأنيقة التي تأتينا عبر شاشاتنا الصغيرة في مساءات الصيف الحارة، لمّاحاً، سريع البديهة، متجدد النكتة، أنيقاً في كل شيء، في ملابسه وأدواره واختيار «افيهاته»، لم ينزلق يوماً في أدوار التهريج أو التلميع، ولم يقبل أن يكون «مرسالاً» للسلطة، ولا «زاجلاً» للرسائل السياسية، كان فناناً يحب الفن، والفن يحبه، يؤدّيه بعشق وإتقان، ورجولية قل نظيرها.. الكوميديا لديه كانت أصيلة، لم يحتج إلى تغيير شكله، أو اللعب في تقاسيم وجهه، كما لم يحتج إلى التعويض الخارجي ليملأ نقص الكوميديا، كما يفعل كثيرون من الفنانين، فهو ممتلئ بالموقف والكلمة والأداء، فلماذا يحتاج إلى كل هذه «المكمّلات» الكوميدية؟

عبدالحسين عبدالرضا زعيم الكوميديا العربية والخليجية، عاش محبوباً راقياً متّزناً، ومات محبوباً راقياً متّزناً.. فكل عمل، وكل مشهد أداه هذا العملاق الكويتي الكبير، سيخلّده في ذاكرة أجيال كثيرة قادمة.. وكل عمل، وكل مشهد أدّاه هذا الطود الكويتي (أبوعدنان) منذ ستينات القرن الماضي وحتى «السيلفي» الأخير على سرير الشفاء، سيظل حاضراً في أذهاننا جميعاً.. قد ترحل يا أباعدنان، ولا نعد نراك في أعمال «الرمضانات» المقبلة، قد نشتاق إلى ضحتك ولهجتك وطريقتك في التهكم، قد نشتاق إلى اسمك في «تيتر» المسلسلات الخليجية، كما كان يشدّنا على مدار نصف قرن، لكن ضحكاتك وأعمالك وروائعك ستظل مشتعلة بالحياة في أرشيف المحطّات، وسنضحك ونصفق ونحبّك أكثر..

قد يوارى جثمانك التراب، وهذه سنة الحياة، لكن صدقني ابتسامتك لن يواريها الغياب..

ترحل أيها الحبيب، وتبقى ابتسامتك، فابتسامة الفن لا تموت..

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر