أبواب

«الله ييسّر لك»

أحمد حسن الزعبي

كنت أدعو الله أن يسوق لنا قانوناً منصفاً يراعي الظرف النفسي والوقتي لمرتكب المخالفة، متسائلاً كلما لدغتني الكاميرا: متى ستنظر الإشارات الضوئية وكاميرات الرادارات إلينا نحن السائقين، بعين العطف والحنان، ولا تحاسبنا بكل هذه الصرامة والجدية والرقمية المبالغ فيها؟ يعني إذا ما صادف وعلقتُ بمربع الإشارات الضوئية بسبب الازدحام المفاجئ، وأضاءت الإشارة الحمراء، وأنا رهين الشارعين، فهل يجب أن أغرّم بمخالفة قطع الإشارة حمراء؟ ومن يعوّضني عن حقّي في «خُضرة» إشارتي والشارع مكتظ وقت الذروة؟ «طيب بلاش»، إذا اصطادني الرادار على سرعة محددة، بسبب السهو أو النسيان، لماذا عليّ أن أدفع مخالفات كل رادارات الشارع نفسه التي صوّرتني على السرعة نفسها؟ ألا يوجد في القانون: لا يحاكم المرء على الجرم أكثر من مرّة؟ وهل من العدل أن تدفع السيارة «الكركوعة» مخالفة السيارة نفسها التي ترتكبها السيارة الحديثة الفارهة المتكبّرة؟

**

وبعد سنوات من الدعاء المخلص، الحمد لله فقد استجاب الله لي، لكن كانت الاستجابة في فنلندا الشقيقة؛ إذ يطبّق قانون مروري فريد من نوعه في العالم، يقوم على اختلاف قيمة المخالفة، حسب مستوى دخل مرتكبها، فإذا ارتكب شخصان المخالفة نفسها، فلن تكون الغرامة موحدة على الإطلاق، وإنما ستتفاوت حسب دخل المخالف.

المجلّة الفرنسية التي نشرت هذا الخبر، قالت إن مليونيرة فنلندية أقرّت أمام الضرائب أن دخلها السنوي 6.5 ملايين يورو، ارتكبت مخالفة رادار، وبحساب المخالفة، مقارنة بالدخل، قرروا تغريمها 54 ألف يورو، بينما الشخص العادي الموظف البسيط لن يدفع أكثر من 150 يورو، بمعنى آخر هم ينظرون إلى النسبة وليس إلى القيمة الموحدة، الـ150 يورو مؤلمة ورادعة لمن يتقاضى راتباً شهرياً 1500 يورو، لأنها تشكل 10% من راتب ذلك الشخص، لكنها لن تكون كذلك لمن يصل دخله إلى 500 ألف يورو شهرياً، بينما عندما تغرّمه 54 ألف يورو، فإنها تشكل النسبة نفسها تقريباً، وستكون مؤلمة ورادعة، بالمناسبة فنلندا تعتبر من أقل بلدان العالم في حوادث السير، وأقلها وفاة بسببها.

تخيّلوا، فقط تخيّلوا لو يطبق هذا القانون الفنلندي في بلادنا، وترتبط المخالفات بمستوى الدخل، أنا متأكد أن عبارة «الله ييسّر لك» هي التي ستملأ دائرة الترخيص وشبّاك المخالفات.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر