أبواب

«الفاكس» معطّل!

أحمد حسن الزعبي

عند انتشار «الفاكس» كوسيلة تواصل سريعة قبل ربع قرن أو يزيد، اندهش الراحل نزار قبّاني بهذا الاختراع معتقدأ أنه الوسيلة الأسرع والأسهل والأخيرة للتواصل مع الحبيبة، بعد أن تخطّت الرسائل الورقية والبريد والساعي الذي لا يطلّ.. فكتب قصيدة بعنوان «حب على الفاكس».. قال فيها:

كنت في الماضي

عندما أعيش قصة حب

أستعمل ورق الرسائل

والهاتف

وأزهار القرنفل

ودواوين الشعر

لأقول لك: «احبّك»

واليوم أقتحم حجرة نومك بـ«الفاكس»

لأندس تحت شراشفك..

وأتناول إفطار الصباح معك

ما أجمل الحضارة

حين تسمح لي بالدخول عليك

بلا استئذان..

الذي يحيّرني هل كان الشاعر الكبير نزار قبّاني يدرك وظيفة الفاكس فعلاً؟؟ لأنه يقول: «وأتناول إفطار الصباح معك».. الفاكس يرسل الورق وليس البشر، إلا إذا كان يقصد المعنى المجازي، لو كنت مكان حبيبته «لسحبت الفيش» هل ينقصني أن يزمّر الهاتف ويرن ويصفّر وأنا في عزّ النوم حتى تنزل ورقة مكتوب عليها أحبك.. أو «غزل ع الريق».. ما علينا، هذه القصيدة تحديداً «الحب على الفاكس» انقسم عليها النقّاد بين مؤيد لاستخدام الاختراع الجديد في القصائد الرومانسية ومعارض وكلّ له كان حجّته، الفريق الأول قال إنها مهارة نزار التي لا يجاريه فيها شاعر بكسر مفهوم المقبول وغير المقبول بالشعر فاستخدم «الفاكس» في الحب بطريقة ذكية، والبعض قال إدخال الآلة على الشعر تماماً كمن يزرع عموداً إسمنتياً في واحة زنبق وبقي الجدال مستعراً إلى أن تعطّل «الفاكس» عن العمل.. المهم أن «الفاكس» أشعل في ذلك وقت النقد وحرّك الماء الراكد.. والأهم منه أنني عكس نزار قباني تماماً فلم تقتحم رسائل الحبّ والقصائد الغزلية غرفة نومي بل «التبليغات القضائية» فقد اقتنيت «الفاكس» في بيتي قبل سنوات فقط لأتلقى البلاغ القضائي من المحكمة مباشرة ممهوراً بموعد الجلسة القادم في قضية المطبوعات والنشر الجديدة، وبلائحة الادعاء التي يسردها خصومي من المسؤولين بعد أن حُكمت في نصفها وأنا غايب فيلة.

قبل يومين كنت أبحث عن مكبس أوراق قديم فوجدت «الفاكس» الأول أسفل الخزانة تحت المكنسة الكهربائية المعطلة، والمسجّل وأشرطة وردة وجدته في حالة يرثى لها «لفافة الحبر مدلوقة»، الأزرار مخلوعة الشاشة مكسورة ومكان الورق مليء بجثث الفراشات الميتة، ربما سقطت من سطور نزار.. وسألت نفسي كم وسيلة تواصل قفزت على ظهر هذا المسكين، «البريد الإلكتروني»، الـ«فيس بوك»، الـ«تويتر»، الـ«ماسنجر»، الـ«واتس آب»، «الفايبر».. والحبل على جرار.

على طاري «الفاكس».. زمان كان العرب يندّدون باقتحامات الأقصى والجرائم الإسرائيلية من خلال «فاكس» الجامعة العربية.. الآن بماذا يندّدون؟ لاسيما إذا عرفنا أن «الفاكس» العربي معطّل، وحبر الكرامة قد نفد تماماً؟

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر