5 دقائق

الشباب والسلم والتنمية في عالم متضامن

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الشباب والسلم والتنمية في عالم متضامن هو محور الدورة الرابعة والأربعين لوزراء خارجية الدول الإسلامية، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي انعقدت في أبيدجان بساحل العاج في 10-11 من يوليو، وهو أهم موضوع تجعله المنظمة كبرنامج عمل للدول الإسلامية، وهو مهم لكل الدول المشاركة، كما دلت عليه كلمات رؤساء الوفود المشاركة، حيث عبّر كل منهم عن مدى أهميته لبلده، والخطوات التي يتخذها بلده حيال قضايا الشباب تعليماً وتوظيفاً وتيسيراً للأعمال، وتحقيق أماني الشباب الرياضية والفكرية والحضارية وغيرها، وذكروا من أعداد الشباب العاطل الجاهل البائس ما يثير الاستغراب، وكلٌ كان يغني على ليلاه، وليلى ترى أنها لم تسمع فلم تطرب كما قالت الحكمة الأدبية:وكلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكحقاً إن الشباب هم العدد والعدة المتوقد ذكاءً وحيوية، يرى أنه بعيد عن الطرح النظري فلا ينفعه التغني بهمومه، فهو يعيش البؤس والبطالة والجهل والضلالة، ولذلك هو يخرج ثائراً قاطعاً ناهباً سارقاً.

إن الشباب هو الدولة والتنمية والحضارة والقوة والمستقبل وكل شيء، ولكنه لم يُعطَ شيئاً يذكر إلا أماني، وكما قال زهير:

فلا يغرك ما منّت وما وعدت إن الأمانيّ والأحلام تضليل

إن حق الشباب على دولهم كبير وكثير، حقهم أن يتعلموا حتى لا يبقى منهم جاهل، فأين المدارس الكافية والراقية؟ وأين المعاهد المتخصصة القوية والمتعددة؟ وأين الأماكن المخصصة لهم في القطاع العام حتى يبرزوا ويجيدوا ويمكنوا ويتمكنوا؟ وأين الصناعات التي وفرت لهم لينخرطوا فيها فيحققوا الطفرة الصناعية والحضارية؟ وأين الاعتمادات المالية لإقراضهم قروضاً حسنة، فيفتحوا بها مشاريع خاصة؟

إن أكثر الدول الإسلامية عموماً، والعربية خصوصاً، نسيت واجباتها نحو شباب نهضتها، فلما حصل لكثيرٍ منها المكروه، علمت أنها فرطت كثيراً، وهي الآن تتذكر بعد فوات الأوان، ولأن تتذكر متأخرة خير من ألا تتذكر بالمرة.

إن الدول التي أدركت أن شبابها هم أساس ثروتها كالإمارات، كانت سباقة لمعرفة واجبها، فسعت إلى أدائه سعياً حثيثاً، حتى حققت أمانيها في شبابها وشعبها قبل أن يكون ذلك مطلباً شبابياً أو جماهيرياً، وغدت بحمد الله الأنموذج الذي ينبغي أن يحتذى لدى منظمة التعاون الإسلامي، بل دول العالم، فهي الدولة التي يقول قادتها - المحروسون -: إن ثروتنا الحقيقية هي شباب الوطن، وإن الاستثمار في الشباب هو الاستثمار الناجح الدائم. فلذلك سخروا الثروة المادية لتنمية الثروة البشرية، فأعطوا الشباب الفرص الكافية تعليماً وتطوراً تقنياً وفكرياً، فللشباب وزارة، وللسعادة وزارة، وللتسامح وزارة، وللعلماء مجلس، وفوق كل ذلك تعطي الشباب الإمكانات المتاحة للوصول إلى طموحهم في بناء الوطن ليصلوا به إلى المركز الأول الذي هم منه الآن قاب قوسين أو أدنى.

لقد أدركت الدول كلها أن واجب الشباب لا يحتمل التأخير، فعلى كل دولة أن تسعى لأدائه، فإن خطاب التكليف تعلق بذمتها من يوم أن تكونت الدولة، وهو متجدد في ذمم كل مسؤول يتولى زمام سلطة بلده.

وقبل أن يعرفوا هذا الواجب عليهم تحقيق وسائله، فإنها مقدمات تحقيق الواجب، وأعظمها الرقي الأخلاقي والقيمي الذي يُعلي مكانتهم المعنوية، ويجعلهم يعرفون الفضل لأهله، ويتعاملون مع غيرهم بقيم سامية تكون محل إعجاب، ومقدمة هذه القيم؛ القيم الدينية والثقافية التي تجعلهم يعتزون بدينهم الإسلامي الذي قامت هذه المنظمة على أساسه، ومع كل ذلك الاهتمام الذي عبّرت عنه كلماتهم إلا أني لم أسمع من عبّر عن اهتمام بلده بهذه الوسيلة التي تبلغ الغاية المنشودة، ولعل الله أن يلهمهم الالتفات لذلك، فهو ولي التوفيق والهداية.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر