5 دقائق

«كلهم متفاهمين.. أميركا وإيران»

عبدالله القمزي

من أكثر نظريات المؤامرة شيوعاً في المجالس هذه الأيام هي أن أميركا وإيران متفاهمتان على كل شيء ونحن العرب الضحية! وهي رائجة بشدة في أوساط حمقى وسائل التواصل الاجتماعي، ويصدّقها كل من لا يقرأ ولا يحلل ويختار الإنصات إليهم.

قررتُ أن أضع هذه النظرية في معادلة قوامها الحقائق والتاريخ حتى أقتنع بها، ومستعد لتصديقها، شرط أن تثبت بهذين العاملين بشكل لا لبس فيه. دعونا نفحص النظرية بعقولنا العربية المعطلة لنرَ إن كانت تستقيم:

أميركا وإيران متفاهمتان لكن قطعتا العلاقات كافة منذ وصول الخميني إلى الحكم عام 1979.

أميركا وإيران متفاهمتان لكن احتجزت القوى الثورية في طهران موظفي السفارة الأميركية رهائن في سفارتهم مدة 444 يوماً.

أميركا وإيران متفاهمتان لكن لا توجد قاعدة عسكرية أميركية واحدة في إيران، وكل قواعد واشنطن في الخليج موجهة ضد طهران.

أميركا وإيران متفاهمتان لكن رغم ذلك فجرت ميليشيات حزب الله الثكنات العسكرية للجيش الأميركي عام 1983.

أميركا وإيران متفاهمتان رغم أن الأولى فجرت منصات النفط الإيرانية أثناء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وفي العام نفسه أسقطت طائرة مدنية إيرانية.

في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون تم إصدار قانون عقوبات ضد إيران وليبيا يمنع الشركات العالمية من الاستثمار في قطاعي الطاقة الإيراني والليبي، رغم التفاهم.

في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش تم إصدار قانون الحرية عام 2006 لدعم المنظمات غير الحكومية في إيران ضد الحكومة. والتفاهم مستمر!

في العام نفسه رغم التفاهم خصّص بوش 400 مليون للعمليات التخريبية في إيران، وشنت فصائل كردية هجوماً على قوات إيرانية بسيارات همفي المستخدمة لدى الجيش الأميركي.

عام 2007 ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في مقال لدان فرومكن أن قوات خاصة أميركية دخلت إيران لتنفيذ عمليات تخريبية. بالمقابل دعمت إيران - رغم التفاهم مع أميركا - ميليشيات جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر ضد القوات الأميركية.

في 2007 شنت أميركا غارة على القنصلية الإيرانية في كردستان العراق، واعتقل خمسة أشخاص. وأثناء حرب العراق أصدر الجيش الأميركي دراسة كشفت أن 30٪ من إصابات الجنود تسببت فيها أسلحة إيرانية. ذلك رغم التفاهم.

أيضاً لا ننسى المناورات البحرية المشتركة بين دول الخليج وأميركا، فضلاً عن صفقات السلاح التي لا نعلم لم تقبل بها دول الخليج رغم التفاهم بين أميركا وإيران! ولا ننسى كذلك العقوبات الأميركية التي يجددها مشرّعو الكونغرس ضد إيران منذ الثورة.

عام 2016 أصدرت المحكمة العليا الأميركية حكماً ضد إيران لتعويض ضحايا تفجير الجيش الأميركي في بيروت عام 1983.

هناك حالتان شاذتان فقط، الأولى فضيحة إيران كونترا 1986 التي باعت فيها أميركا سلاحاً لإيران ضد العراق عندما رجحت كفة الثاني، رغم أن أميركا دعمت العراق علناً، لكنها لم ترغب بتغلب أي طرف. والثانية قبول الرئيس السابق باراك أوباما أن تكون إيران قوة إقليمية مقابل توقيع الاتفاق النووي.

ختاماً: ما لا نفهمه وجود تفاهم بين دولتين حدثت بينهما كل التناقضات المذكورة، وأما ما نفهمه هو وجود عقلية عربية مغيبة أهملت التحليل المنطقي وعلقت فشلها على أوهام.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر