أبواب

آخر أيام المدرسة

أحمد حسن الزعبي

هل للنهايات رائحة؟ أنا أشتم رائحة النهايات، أشتمها حقيقة وليس مجازاً.. عندما تفرغ المدارس من آخر امتحاناتها تصبح للمدرسة رائحة مختلفة، الورق المبعثر في الساحات، الكتب المحروقة خلف السياج، قصاصات الغش المطوية بين قضبان المقاعد الدراسية، تبدد النظام، رائحة الصيف التي تحرك الشجيرات القليلة في مدخل المدرسة، العشب اليابس الذي يشبه الحرف اليابس في سهول الدفاتر، آخر الكلمات التي كتبت في الدرس الأخير أثناء المراجعة.. دفتر تحضير المعلّم وقد امتلأ بالحبر والدروس القديمة، قطع الطبشور الأبيض المصطفة على ذراع السبورة.. وكل شيء.

عندما كانت المدرسة تدخل في أجواء الامتحانات يصيبني اضطراب يشبه الاكتئاب، لم أكن أحب المدرسة، لكنني في الوقت نفسه لا أحب أن تنتهي، المشاعر نحوها تجلس في زاوية خاصة لا أستطيع تصنيفها تحت أي شعور.. هي متأرجحة بين الحب والخوف والسعادة، تماماً كأي شيء لا تحبه لكنك لا تريده أن ينتهي، أو لا تحبه وعندما تراه ينتهي ويغادر أو يموت تحزن عليه، وتتمنى بقاءه على سوئه، المهم ألا ينتهي.

في آخر أيام المدرسة، أحزن على العلم المرفوع على السارية يرفرف وحيداً، وقد غادر الأولاد قاعات الامتحان باكراً، أحزن على رسمات ممزقة كانت مشروع لوحة فنية في حصة الفن المهملة أصلاً، أحزن على لعبة لم تكتمل بين طالبين، وثمة بقايا ساندويتش في الدرج الأخير، ربما لم يكمل الطالب وجبته بعد دخول المعلم قبل أسابيع طويلة، أشتم رائحة الحبر من «أقلام الفولوماستر» على الوسائل التعليمية، وأحبال الزينة المعلقة في الممرات وعلى أبواب الصفوف الأساسية، تعبث بها الريح بصمت مطبق للمكان، أحزن عندما لا أسمع صوت المعلّمين وضجيج الضحك القادم من النوافذ العالية في حصة تفاعلية جميلة، وصوت إغلاق الأبواب من قبل مراسلي المدرسة، أحزن عندما أسمع صوت البوابة الحديدية الكبيرة للمدرسة تطبق معلنة نهاية اليوم الأخير من الامتحانات، عند الساعة الـ11.

بائسة هي النهايات.. ولو كانت نهايات مؤقتة!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر