التركيز والتخصص

يؤثر نظام التعليم وجودته في حياتنا، ليس فقط من حيث المحتوى التعليمي الذي يحصل عليه الإنسان، ولكن من حيث طرق التعلم وحل المشكلات، إن أسلوب التعليم الفعال هو الذي يسمح للطلاب باستكشاف ومعرفة مهاراتهم وقدراتهم وزيادة معارفهم وصقل قدراتهم باستمرار، وتوفير المصادر اللازمة للطلاب لزيادة تحصيلهم وتطوير قدراتهم في الاتجاه والتخصص الذي يرغبون فيه، والذي يناسبهم.

من خلال الاطلاع واستقراء تجارب الناجحين، سواء في العمل أو الدراسة أو السياسة يمكن القول إن أهم أسباب النجاح التركيز والتخصص، فالبداية أن يعرف الإنسان ما الذي يجيده ولديه شغف به، ومن ثم يركز مجهوده ووقته في هذا الاتجاه لأن الإنسان لديه طاقة محددة ومساحة زمنية محددة أيضاً، وبالتالي من الصعب تشتيت هذه الطاقة في العديد من الاتجاهات.

وشخصياً كان لدي اعتقاد بأن الإنسان الناجح لابد أن يعمل دائماً على جبهات عديدة، وأن يكون لديه القدرة على العمل في مهام متعددة، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍ ما، وقد يحقق الإنسان قدراً من النجاح، ولكن أعتقد أن النجاحات المؤثرة والأعمال التي تضيف قيمة للإنسان وللمجتمع المحيط به هي تلك الأعمال التي تتطلب تركيزاً وتخصصاً لفترة طويلة من الوقت، وتحتاج إلى أن ينذر الإنسان نفسه لأدائها على الوجه الأكمل وبالدقة والجودة المطلوبتين، فالكثير من المخترعين لم تكن تشغلهم سوى تجربة واحدة وقضية واحدة كرسوا لها وقتهم وجهدهم حتى أنجزوا ما أرادوا، والمؤلفون والأكاديميون الذين حفروا أسماءهم في عالم المعرفة أيضاً كانت تشغلهم دائماً فكرة واحدة أو قضية واحدة كرسوا لها مجهودهم وطاقتهم حتى أبدعوا فيها، ليس ذلك فقط بل أفادوا البشرية بفكرهم وعلمهم.

إن التركيز والتخصص يقودان إلى الإبداع والإتقان، حيث لا يأتي الإبداع بالمصادفة، بل يحتاج إلى الكثير من الوقت والعمل الجاد، ولا ينطبق ذلك على الأفراد فقط بل ينطبق أيضاً على الشركات والمؤسسات، فالشركات التي تركز على منهاج ثابت ولديها قضية أو رؤية لا تغيرها أثبتت أنها الأقوى والأبقى، وليس معنى ذلك الجمود وعدم التطوير، ولكن يعني عدم تشتيت وإهدار الموارد في اتجاهات مختلفة، وقد استطاعت مثل هذه الشركات أن تحفر لنفسها مكانة عالمية. ولا شك أن هناك العديد من الشركات الناجحة، وفي الوقت نفسه لديها تنوّع كبير في منتجاتها وخدماتها، فليس هناك وصفة سحرية للنجاح، لكن الخلاصة أنه في ظل قلة الموارد المتاحة ينبغي التركيز والتخصص، حيث إن ذلك أكثر فعالية في الحصول على النتائج المطلوبة، كما يؤدي التخصص إلى مزيد من الابتكار والإبداع.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .