5 دقائق

سرطانات «واتس آب»

عبدالله القمزي

تصلك كميات ضخمة من مقاطع الفيديو على تطبيق «واتس آب»، تفتح الواحد تلو الآخر لإجراء عملية انتقاء وأخذ ما هو مفيد وترك تفاهات الحياة، فتصادف التالي:

فيديو فيه شخص يقول إنه طبيب، أحياناً يكون الفيديو في شكل استضافته في برنامج غير معروف أو قد يكون معروفاً، المهم أن الطبيب يقول مثلاً إن أكياس الشاي لو وضعت في ماء تصل درجة حرارته إلى كذا فإنها تطلق مادة مسرطنة.

تتخذ قراراً بعدم تناول الشاي مرة أخرى، وتأكلك الوساوس وأنت تفكر كم مرة شربت فيها شاي أكياس في حياتك!

بعد يوم أو يومين يأتيك فيديو لشخص آخر ينفي ذلك ويقول إن هذا الوضع كان في الماضي، لكن شركات الشاي تداركت الأمر وغيرت مادة صناعة أكياس الشاي.

يصلك فيديو آخر يظهر فيه شخص يشبه في هيئته حارس بناية أو بائع بقالة (ليس طبيباً ولا عالماً ولا نعرف حتى اسمه)، واقف في متجر يحذر من استخدام مضاد التعرق، لأنه يسبب السرطان عندما يغلق مسام العرق في الجسم، ويقول إنه السبب خلف انتشار سرطان الثدي، كما يدخل في التفاصيل ويفسر كيف أن شعر إبط الرجل يحميه من تأثير تلك المواد!

• في زمننا هذا لم يعد الطبيب أو حتى العالم مستحقاً لصفته ما لم يحدّث معلوماته.

تعلن البلدية في اليوم التالي أو بعده أن مضادات التعرق سليمة ولا يوجد دليل علمي واحد وموثق أو حتى دراسة حديثة تثبت أن تلك المضادات تسبب السرطان.

الحليب سم قاتل (موضوع مثير للجدل أقرب إلى حقيقة نشرت عنها الصحف المحلية والعالمية)، والبديل هو الحليب النباتي. تدخل إلى موقع عربي تجد أنه يحذرك من مادة مسرطنة في ذلك الحليب النباتي. تدخل إلى موقع أميركي أو كندي تجده يدحض ما ذكره الموقع العربي مع تفاصيل أغنى ودلائل وإثباتات.

دون أن نضرب مزيداً من الأمثلة فإن ما نشهده هو نوع من حرب معلومات بين متعلمين وجهلة. في زمننا هذا لم يعد الطبيب أو حتى العالم مستحقاً لصفته ما لم يحدّث معلوماته. وأصبح القارئ والمطلع مثلاً يفهم أفضل من الطبيب فقط لأن الأخير لا يحدّث ولا يطور نفسه.

كنا نعيش في اطمئنان قبل دخول الـ«واتس آب» لا وساوس ولا قلق ولا سرطانات تطل علينا من فيديوهات صنعها جهلة نصّبوا أنفسهم علينا كبديل للجهات المختصة المعتمدة من قبل الدولة. قد يقول قائل إن الـ«واتس آب» مجرد وسيلة تحذيرية توعوية، ونقول نعم لكن لا نملك علماء أو خبراء مؤهلين لهذه المهمة، والدليل البيانات الصحافية التي تصدرها البلدية لنفي الشائعات التي لا تستند إلى أي أدلة أو دراسات أو تحليل علمي.

تدخل إلى مواقع عربية تقول إنها علمية لتبحث عن شيء مفيد يتعلق بموضوع هذا المقال فلا تجد سوى معلومات قديمة يغلب على معظمها طابع نظريات المؤامرة من زمن الاتحاد السوفييتي! بينما المؤسسات الغربية تتسابق في نشر آخر أخبار الدراسات العلمية.

ختاماً: كشفت دراسة حديثة أن المعلومة الخاطئة (الشائعة) تستغرق ساعتين في الانتشار عبر «واتس آب» ووسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تثبت إن كانت صحيحة، أما إن كانت المعلومة/‏‏الشائعة خاطئة فإن النفي لا يأتي إلا بعد 12-14 ساعة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر