أبواب

فطّوم حيص بيص

أحمد حسن الزعبي

كان بيتنا مكوّناً من غرفتين وعريشة واسعة ودالية قريبة مغرقة في الخضرة، وكان صوتها نغمة رمضان الأشهى الذي لا يكتمل بدونها.. أنا من جيل تربّى على صوت «نجاح حفيظ» أو فطّوم حيص بيص في مسلسل «صحّ النوم»، كما تربّينا على صوت المطر المثابر، كنت في لحظة ما أتعاطف مع «غوار الطوشة»، الذي يتمنّى أن يحظى بقلب فطّوم ولو مرّة، وكنت أغار من رزانة واتزّان حسني البورزان، المثقف الواعي الذي لم تصطده شباك الحب بعد، فهو مجرّد نزيل في غرفة أوتيل صحّ النوم، لكنّه مواطن مقيم في قلب فطّوم الطيبة.

صوتها وهي تلفظ كلمتها المعتادة «حسّونتي» لا يرحل ولا يهرم مهما مرّت الأيام، أو توالدت القنوات أو ارتفعت الأوتيلات الزجاجية في السماء، فهي تمثّل مبيت المسافرين، ومحطّة القادمين إلى الشام، وواحة العاشقين الذين أضاعوا الطريق إلى الحبيبة.

أنا من جيل أحبّ فطوم لتبقى «فطّوما» تلك المرأة التي تحبّ بصمت، ولا تبالغ في المصارحة، أو تسعى إلى الإيقاع بشتى السبل، كما أنها لا تفكّر بفي الانتقام ممن تحب إن فشلت قصّة حبّها، تلك المرأة التي مازال يعجبها الرجل المتزن والواعي والمثقف، وإن كان فقيراً أو نزيلاً أو باحثاً عن هجرة إلى البرازيل.. ربما نحن أحببنا فطّوم حيص بيص لأننا أحببنا الزمن الذي عرفناها فيه عندما كان كل شيء بسيطاً وطبيعياً وخالياً من التعقيد وقابلاً للحياة.. أحببنا الأبيض والأسود عندما شاع «التلوّن» في حياتنا.. أحببنا المقالب عندما كانت مجرّد مقالب بريئة لا يموت فيها أحد.. وأطلقنا ضحكات تطلع هكذا شفافة وسهلة لا تحتاج إلى جهد أو سيناريو وحوار أو حبكة.. الضحكة هي النهاية الوحيدة التي لا تحتاج إلى حبكة مؤلف أو نظرة مخرج.

لقد فرغ تماماً «أوتيل صحّ النوم، مات نهاد قلعي (حسني).. ومات ياسين بقوش» ومات «رفيق السبيعي» (أبو صياح).. ومات عمر حجّو، ومات خلدون المالح.. وأخيراً ماتت «فطوم حيص بيص» نجاح حفيظ.. لم يبق في «حارة كل من أيده الو»، إلا «الطوشة».. لم يبق في الحياة كلها إلا «الطوشة»..

مع اقتراب رمضان.. أحزن عندما تفرغ الشاشة كما تفرغ الحياة من الأمهات الطيبات.. فطوم حيص بيص كانت «نغمة رمضان»، فهي أم، مهنتها الحب ولا شيء غير الحب!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر