5 دقائق

مؤتمر السلام العالمي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لايزال السلام - ولن يزال كذلك - مطلب كل حي، فضلاً عن كل إنسان سويّ، وهو فوق ذلك مطلب رب السلام، سبحانه وتعالى، الذي يدعو إلى دار السلام، وهي جنته التي لا لغو فيها ولا تأثيم إلا قيلاً سلاماً سلاماً، فالله هو السلام، ومنه السلام، وإليه يرجع السلام، وهو الذي دعا عباده أجمعين أن يدخلوا في السِّلم كافة، أي يدخلوا في دين السِّلم وهو دين الإسلام الذي يعني المسالمة لله تعالى وخلقه، فهو الذي حرم دم المسلم خصوصاً والإنسان عموماً؛ لأنه خليفة الله تعالى في أرضه، ومحل تكريمه، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً.

هذا السلام الذي هو الفردوس المفقود، كما سماه شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، في خطابه البليغ الوجيز الذي وضع الحقائق في نصابها، أمام بابا الفاتيكان فرنسيس الثاني، الذي حضر مؤتمر السلام، الذي عقده الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، مع الكنائس الشرقية والغربية، في الفترة من 27 إلى 28 أبريل، فقد حضر الحفل الختامي لهذا المؤتمر المهم وشارك المؤتمِرين بخطابه الواسع الذي نشد فيه السلام ودعا إليه عموماً - وإن لم يخص السلام في الأراضي المحتلة، فلسطين، التي تعيش أجواء الحرب من عشرات السنين؛ لم يخصها بذكر - فهو رجل سلام ويدعو إلى الوئام بين البشر، فهو خير مِن سلفه كثيراً، وله منهج محترم مع اللاجئين المنبوذين في الدول الغربية.

• إن يئسنا من تجار الحروب فلا نيأس من نشر رسالة السلام.

هذا المؤتمر الذي كان موضوعه الحلقة المفرغة بين الدول، ولم تستطع الدول الكبرى فرضه، ولا الصغرى احتواءه؛ لأن الكل ينظر إليه بمنظار إضرام النار فيه من أجل إطفائه، فلا يزداد إلا أواراً؛ لأن الشيء لا يولِّد ضده، بل من جنسه فقط، والذي يولد السلام هو السلام، فلابد من إطفاء النار ببرد السلام، ومن أجل ذلك كانت رسالة الإسلام هي السلام.

لقد عقد المؤتمر العالمي المهم واتضحت فيه رؤى أهل الديانات السماوية من محبتهم للسلام ودعوتهم له، وتبرئة الإسلام من وصم الإرهاب، الذي سرد فيه شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين؛ سرد حقائق عن الديانات الأخرى ما يتبرأ منها الدينون منهم.

إذاً فمن الذي لا يحب السلام ولا يسعى إليه؟ بين شيخ الأزهر، حفظه الله، أن الذي لا يحب السلام هم تجار السلاح الذين يصدِّرون الحروب لتشتغل مصانعهم وتمتلئ خزائنهم، ويظلون يحكمون على البشر بالفناء، ولأنفسهم بالبقاء، وقد لا يكون هذا غريباً عند أرباب المصالح الذين يؤمنون بنظرية (الغاية تبرر الوسيلة)، ولو كانت الوسيلة فساداً في الأرض وإهلاكاً للحرث والنسل، وهي نظرية انتهازية بائسة، لكن لماذا تجد هذه النظرية قبولاً عند الناس ليتفانوا ويعيش صناع السلاح وتجاره؟! هنا تأتي الدهشة التي لا ينقضي منها العجب، والواقع أن مكر هؤلاء ودهاءهم الداهي غسل عقول المنفذين للحرب ووقودها، فأصبحوا لا يسمعون حديثاً ولا يفقهون قولاً فهم كما قال الله {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} عياذاً بالله من ذلك.

وإن يئسنا من تجار الحروب فلا نيأس من نشر رسالة السلام؛ لأنها رسالة الإسلام التي أمرنا بتبليغها للناس كافة، فمجلس حكماء المسلمين ينشر قوافل السلام في الأرض، ليعرضه ولا يفرضه، فمن قبَله فذلك هدى الله الذي هداه به وهداه إليه، ومن أعرض عنه فنقول له: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}، وسيظل المجلس وعلماء الأمة الأخيار ينشرون رسالات ربهم كما أمرهم الله، فلعلهم يجدون آذاناً صاغية وقلوباً واعية، منهم أو ممن يخرج من أصلابهم، وستمتلئ أرض الله عدلاً ونوراً وسلاماً، كما امتلأت جورًا وظلماً وعدواناً، فتلك هي المهمة التي كلفهم الله بها ولا يكتمونها، حتى تقوم الحجة على الجميع فيحيا من حيَّ عن بيِّنة، أو يهلك من يهلك عن بيِّنة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر