أبواب

صراع قوى

أحمد حسن الزعبي

لم نكن نعرف ونحن في مرحلة الطفولة أن ما نتعرض له بين الحيطان الأربعة، سنتعرّض له من الماء إلى الماء عندما نكبر وتتمدّد أجسادنا لتصبح دولاً ذات سيادة.

كنا في الصف 22 طالباً وادعاً، الخلاف في ما بيننا على العلامة، أو على سعة وضيق المساحة التي نجلس عليها في أحسن الأحوال، بقينا على هذه الحال حتى انتقل إلى الصف طالب «عضلنجي» معجب بقوته البدنية وغطرسته، في البداية لم نكترث لتصرفاته الهوجاء، ولا لسيطرته وتخويفه لزميلنا النحيل الذي كان يجبره على حل الواجبات ونسخ الدروس، ثم بعد أيام صار يهدد كل الطلاب القدامى بالأسلوب والبلطجة نفسيهما، ومن لم يستجب كان يتعرّض للكمة في وجهه أو عضّة في ذراعه ولأننا لم نعتد الشجار ولا الخوض في معارك إلا على نطاق ضيّق ومع بعضنا بعضاً؛ فقد أرهبنا جميعاً وصرنا نتودّد له، آملين عمل صداقات مشتركة لتجنّب اللكمات القاسية والوعيد في نهاية الدوام المدرسي.. يوماً بعد يوم صار يضربنا من دون أي سبب مقنع، ويصادر مصروفنا بمنتهى الوقاحة، وصارت واحدة من حصص اليوم «ضربة ثم مصادرة مصروف»، بالإضافة إلى الدروس المنهجية الأخرى من حساب وعلوم وعربي ودين وإنجليزي..

في السنة التالية ترفّع معنا الطالب البلطجي نفسه، وترفع معنا الرعب المعتاد نفسه، لكن هذه المرة حدث تغيير مفاجئ على السطوة، إذ انتقل إلى الصف «عضلنجي» آخر وأيضاً الأخ معجب بقوته البدنية وغطرسته، وفرحنا أيما فرح لوجود «بلطجي» جديد يوقف البلطجي الأول عند حده، جميع الطلاب لم يلفتوا انتباهه في الحصة الأولى سوى ذلك الأشقر المتغطرس.. جلس على الطاولة الأخيرة وضرب بيده على لوح الخشب كنوع من لفت الانتباه، وبدأ يراقب ما يجري في الصف.. فرحتنا - نحن الطلاب المساكين - كانت غامرة أن هناك من سيقوم بردع ذلك المغرور القديم. راقب «العضلنجي» الجديد تصرّف منافسه في الصف، وكيف يضربنا الواحد تلو الآخر، ثم يصادر مصروفنا، ولم يعجبه الفعل الجشع.. فوقف بوجهه وصرخ بصوت غليظ ومرتفع: لماذا تضربهم ثم تصادر مصروفهم؟ بماذا تعتقد أنك أفضل منهم؟ أعد لهم قروشهم إالا لقّنتك درساً لن تنساه.. خنس البلطجي الأول وتراجع عن تصرفه وأعاد لنا أموالنا صاغراً، فرحنا وقبّلنا البلطجي الجديد واحتفلنا به وبعدله وبقوته.

في اليوم التالي أمرنا البلطجي العادل الجديد بدفع مصروفنا له عنوة بدل حمايتنا من الأول.. وكلما دفع أحدنا ما لديه أخذها باليمين وصفعنا بالشمال.. وبهذا نكون قد استبدلنا مستبدّاً بمستبدّ مع فارق توقيت الضربة: الأول كان يضرب ويصادر المصروف، والثاني يصادر المصروف ثم يضرب!

ثم ذهبت حالنا نهجاً في السياسة العالمية.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر