أبواب

العمود

أحمد حسن الزعبي

أمضى أبوتوفيق جلّ حياته الزوجية في نكد وكبد، فلم تكفِه العقود الأربعة من الزواج بأم توفيق لفهم مزاجها وما يرضيها، لا بل قد فشل حتى في توقيع هدنة ومباحثات سلام طوال حياتهما، فالمسكين كيفما ولّى وجهه يلقى انتقاداً حاداً وتذمراً وسخرية من تصرّفه.. إذا حضر إلى بيته باكراً تستقبله بعبارتها الاستهجانية، ويدها على خصرها: «شو بشوف مروح بكّير»! وإذا عاد متأخّراً تستقبله بعبارة «توما هوك»: «كويس إنك عرفت انه الك دار.. بكير والله»! إذا حاول أن يستميل قلبها وأحضر كيس برتقال في طريق العودة، استصغرت الهدية، وقالت له: «مش عارف شو حبّك للبردقان.. ما حدا بياكله أصلاً»، وإذا أحضر موزاً: «شو شايفني قردة جايب موز»، وإذا اجتهد ببعض الحلويات، تتهمه بسوء نية، والتفكير في الخلاص منها، فتلقي عليه عبارة: «بدك تقضي عليّ؟ بتعرف انه معي سكري وجايب حلو؟».

جلست في وسط التابوت توبّخ زوجها على استعجاله موتها، والتسريع في دفنها، ثم عاشت معه بعد هذه الحادثة أربع سنوات جديدة بنفس «ستايل» النكد

ذات صباح استيقظ أبوتوفيق باكراً، وحاول إيقاظ زوجته اللدود كالمعتاد لتعد له الإفطار، لكنها لم تستجب، هزّها بيديه، لكنها بقيت على غفوتها، فحص نبضها فوجدها قد فارقت الحياة، فحزن حزناً شديداً، اتصل بأهلها وأقاربه لينبئهم بوفاتها، وبالفعل بدأوا بتجهيزها وتغسيلها وتكفينها، خرجوا من البيت باتجاه المقبرة، وأثناء مشي المشيّعين يحملون التابوت على أكتافهم، ارتطم طرف التابوت بأحد أعمدة الكهرباء، فاستيقظت أم توفيق من غيبوبتها، وعادت إلى الحياة، وجلست في وسط التابوت توبّخ زوجها على استعجاله موتها، والتسريع في دفنها، ثم عاشت معه بعد هذه الحادثة أربع سنوات جديدة بنفس «ستايل» النكد والكبد والتذمّر والسخرية، وما فتئت تذكّره باستعجاله بدفنها وهي حية ترزق، ثم رجعت إلى عادتها القديمة، إذا عاد إلى البيت باكراً لامته، وإذا تأخر في العودة لامته أيضاً، إذا حضر مُحمّلاً بالهدايا سخرت من ذوقه وخياراته، وإذا عاد خال اليدين لامته على بخله.

ذات صباح استيقظ أبوتوفيق باكراً، وحاول إيقاظ زوجته اللدود كالمعتاد لتعد له الإفطار، لكنها لم تستجب، هزّها بيديه، لكنها بقيت على حالها، فحص نبضها من جديد، كما فعل في تلك المرة، فوجدها قد فارقت الحياة. اتصل بأهلها وأقاربه لينبئهم بوفاتها، وبالفعل بدأوا بتجهيزها وتغسيلها وتكفينها، وخرجوا من البيت باتجاه المقبرة، وأثناء مشي المشيعين يحملون التابوت على أكتافهم، كان أبوتوفيق يسبقهم ويحذّر...

«العمود يا إخوان.. ديروا بالكو من العمود.. إلا العمود.. لا تصدموا بالعمود.. كلشي ولا العمود..»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر