5 دقائق

دور عمل الخير في دعم الاقتصاد الإسلامي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يظن بعض الناس أن الاقتصاد الإسلامي لا ينمو إلا في المصرفية البنكية أو المعاملات التجارية فحسب، والواقع أن نماءه في أمور أخرى تعبدية لا يقل أهمية عن نمائه في المصارف أو المعاملات التجارية ونحوها، فإن هناك تجارة رابحة تفعِّل الاقتصاد بشكل كبير، وذلك كالزكاة والأوقاف وعموم الصدقات والتبرعات، فإن هذه الأمور الثلاثة هي تفعيل لحركة الاقتصاد الذي تعبدنا الله تعالى به، كما يشير لذلك قوله سبحانه: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»، أي يزيد المال بالصدقات وينمو، وهو ما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «ما نقصت صدقة من مال»، أي أن الصدقة لا تنقص المال بل تباركه وتنميه كما قال سبحانه: «وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»، والمعنى أن الله يخلف على المنفق في الخيرات، فلا يخسر المنفق شيئاً بل يُخلف على المنفق خيراً مما أنفق، وهو ما دلت عليه دلائل متكاثرة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: «أنفق بلال ولا تخافن من ذي العرش إقلالا»، وكان عليه الصلاة والسلام يبين ذلك فيقول: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلَفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا».

والواقع يشهد لذلك ويصدِّقه، فإنك لا تكاد ترى إنساناً له يدٌ عالية إلا رأيت الخيرات تتكاثر عليه، عطاءً من الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

وحتى يحقق المرء ذلك الغناء والنماء شرع له الله تعالى أنواعاً من البر منها الزكاة والوقف وعموم الصدقات؛ ليربح المرء أضعافاً مضاعفة أو ليرزقه الله بغير حساب، بقدر إخلاصه وإرادته وجهه سبحانه.

وبيان ذلك أن الزكاة تنمي المال من وجهين: الأول بالبركة في المال وهي أكبر تنمية؛ لأن البركة تكثر القليل وتنمي الكثير، فالمال المبارك ينفع صاحبه ومجتمعه، والمال غير المبارك يتبعثر وتسلط عليه عوادي الدهر، ولا يعود بالنفع العاجل أو الآجل على صاحبه، بل قد يكون سبباً لتعاسته في الدنيا بالعناء في جمعه، وهو في الحقيقة يجمعه لغيره، فله تعبه ونصَبُه، ولغيره مهنؤه.

والثاني بتطهير النفس من دنس الشح والبخل والأَثرة، كما قال الله تعالى في شأن ثمرة الزكاة: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، وعندئذ يتذوق لذة العطاء، وسعادة الثناء، ويكون من المفلحين كما قال سبحانه: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى».

والفلاح كما قال الراغب الأصفهاني هو الظَّفر وإدراك البغية، وذلك ضربان:

دنيوي وأخروي، فالدنيوي: الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا، وهو البقاء والغنى والعز.

وفلاح أخروي، وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة»، أي العيش الدائم المستقر هو عيش الآخرة، بخلاف عيش الدنيا فإنه عيش منقطع سواء كان عيشاً سعيداً أو تعيساً.

ولذلك كانت التجارة الرابحة التي لا كساد فيها ولا بوار هي التجارة مع الله الذي يضاعف الربح فيها أضعافاً كثيرة، فلو أن الناس تعاملوا بهذه التجارة مع الله بصدق فأخرجوا زكاة أموالهم كاملة طيبة بها نفوسهم، وتصدقوا بشيء من فضول أموالهم، بأي نوع من أنواع الصدقات، لوجدوا أثر ذلك سريعاً في أموالهم، نماء وبركة، يستوي في ذلك عمل الفرد والمؤسسات، لأن الشخصية الاعتبارية كالشخصية الفردية في الحقوق والواجبات.

لهذا يتعين أن يتضمن الاقتصاد الإسلامي عناصر عمل الخير في مسيرته الطموحة أولاً ليربح فإن وعد الله حق، وثانياً ليسد حاجات المجتمع، حتى يكون المال دُولة بين الناس، وحتى لا يطمع الفقير في مال الغني، أو يحسده أو يبغي عليه.

وهذا ما هدف إليه منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي في دورته الثالثة بعنوان «العمل الخيري نماء للاقتصاد الإسلامي»، والذي خرج بتوصيات توضح هذا المغزى الكريم.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر