كل يوم

عندما تطغى ذهنية القوة على الجودة!

سامي الريامي

ربما كان العالم يحتاج أن يرى سوء معاملة شركات الطيران الأميركية لركابها، ولعل انتشار لقطات موظفي شركة «يونايتد إيرلاينز» الأميركية، وهم يقومون بإنزال راكب قسراً وبالقوة الشديدة من الطائرة، يكشف للعالم السبب الحقيقي وراء فشل هذه الشركات، وقلة الطلب عليها، ووصولها إلى وضع مادي صعب، يجعلها غير قادرة على الاستمرار في العمل وتشغيل الطائرات!

ولعل تعليق رئيس مجلس إدارة شركة الطيران الأميركية المعنية على هذه الحادثة، حينما قال: «ما حدث هو إجراء قانوني»، يكشف أيضاً الخلل الحقيقي في الإدارة، ويعطي مؤشراً واضحاً عن غياب ثقافة الترويج للسمعة الطيبة كوسيلة من وسائل النجاح، وغياب ثقافة تحسين الخدمات، واستبدالهما بعقلية «الكاوبوي»، وتقديم منطق القوة في كل شيء، فما حدث وإن كان إجراء قانونياً من وجهة النظر الأميركية، إلا أنه غير حضاري وغير إنساني، ولا يتناسب مع سلوك وسمعة شركة طيران!

ما حدث جاء في وقته المناسب تماماً، وفيه رد واضح ومباشر وصريح بالصورة والكلمة والفعل، ومن داخل أميركا نفسها، على ادعاءات شركات الطيران الأميركية بالمظلومية، وصراخها المستمر في أذن الإدارة الأميركية من عدم تكافؤ الفرص بينها وبين شركات الطيران الخليجية، ما يهدد استمراريتها، لينكشف السبب الحقيقي وراء فشلها وضعف تنافسيتها، ويقتنع العالم بأن هذه الشركات تريد التفوق على غيرها بذهنية قوة الذراع الأميركية، لا بالجودة والمنافسة!

مشهد مؤلم، بعيد عن كل فنون العلم الحديث المتعلقة بالترويج والتسويق والاهتمام بالزبائن والجودة، وقبل ذلك كله فيه إهانة مباشرة للإنسان، ذلك الإنسان الذي يتشدق الأميركان بالبحث دائماً عن حريته، وتلك المفاهيم المتعلقة بالجودة وحقوق المتعاملين، التي يتفنن الأميركان في نشرها عبر كتبهم وصحفهم!

موظفو أمن تابعون لشركة «يونايتد إيرلاينز» يسحبون الرجل على أرض الطائرة لإجباره على النزول والتخلي عن مقعده، لأنهم بحاجة إلى المقعد لموظفيهم، ولم يكترثوا بصيحات المسافرين، الذين أعربوا عن استنكارهم للأمر، ولا بكاميرات الهواتف التي تسجل تلك اللحظات المؤلمة!

الأقسى من ذلك أن هذا الرجل المسحوب اتضح لاحقاً أنه طبيب، وسبب إصراره على عدم ترك الطائرة هو التزامه بمواعيد مع مرضاه، صباح اليوم التالي في مدينة لويفيل الأميركية حيث وجهة الرحلة، إلا أن موظفي أمن الشركة رفضوا حديثه، وأجبروه على النزول بطريقة مريعة!

ما لا يدركه الأميركان، وربما يدركه العالم الآن، أن شركتي «طيران الإمارات» و«الاتحاد» تفوقتا على كل الشركات الأميركية، ليس بسبب الدعم الحكومي المزعوم، إنما بمعايير الجودة والرفاهية، التي توفرها هاتان الشركتان على كل رحلاتهما، بشكل يجعل الشركات الأميركية عاجزة عن منافستها، لأنها أساساً لا تمتلك عقلية التطوير والجودة والاهتمام بالزبون، بقدر ما تمتلك عقلية القوة والإجبار وليّ الذراع، من خلال استخدام النفوذ الأميركي العالمي، وهذا ما لن يفيدها عقب انكشاف صورتها الحقيقية، من خلال هذه الواقعة!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر