5 دقائق

ثقافة الدمج

الدكتور علاء جراد

يعد مفهوم الدمج أو Inclusion من المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع والتربية بصفة خاصة وبقية العلوم الاجتماعية بصفة عامة، فالدمج في الشركات والمؤسسات قد يعني إشراك الموظفين الأقل خبرة أو حديثي التخرج مع أقرانهم ذوي الخبرة، وقد يعني إشراك الأفراد من مختلف الثقافات في العمل، فصور الدمج متعددة، ولكن بصفة عامة يرتبط مفهوم الدمج دائماً بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تسعى معظم الدول المتقدمة لدمج هؤلاء الأطفال مع أقرانهم «العاديين» أو «الطبيعيين» إن صح التعبير.

• هناك حاجة ماسة ومُلحة لاستحداث إطار عمل موحد في الوطن العربي لدمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس العادية.

صور الدمج التقليدية في معظم الدول العربية تقتصر على انتقال الأطفال ذوي الإعاقات البسيطة من مدارس أو مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة إلى المدارس العادية، ولكن يبدو أن هذه العملية تتم بنوع من العشوائية، فقرار الدمج يأتي غالباً دون دراسة كافية ودون إعداد مسبق، فالطفل الذي سيتم دمجه لا يتم تأهيله نفسياً أو تربوياً لهذه الخطوة المصيرية في حياته، كذلك لا يتم تأهيل وتوعية معلمي المدرسة العادية التي سينتقل إليها الطفل ولا أقرانه بطبيعة الطفل وقدراته، فنجد الصور المؤسفة من النبذ وتحطيم معنويات الطفل ذي الاحتياجات الخاصة. المشكلة الأكبر أن هناك الكثير من الأفراد المهمين في عملية الدمج من لا يفقه الأساسيات حول أنواع الإعاقات وتصنيفها ودرجاتها، وينطبق ذلك على بعض أهالي الأطفال العاديين، حيث يعتقد البعض مثلاً أن «متلازمة داون» عبارة عن «مرض» معدٍ وأنه ممكن أن ينتقل لأطفالهم إذا تعاملوا مع طفل لديه هذه المتلازمة. وهناك الكثير من هذه الأمثلة التي تدل على انعدام الوعي حول هذه القضايا التي باتت جوهرية وتمسنا جميعاً.

لا أدعي التخصص هنا ولكنه مجرد رأي، هناك حاجة ماسة ومُلحة لاستحداث إطار عمل موحد في الوطن العربي لدمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس العادية كمرحلة أولى، على أن يكون هذا النموذج عبارة عن آلية عمل متكاملة تشتمل على برامج تدريبية وتوعوية إجبارية لكل المعنيين سواء المعلمون أو العاملون بالرعاية الصحية، أو الأهالي أو الأقران والعائلة. لابد أن تشمل عملية الدمج أولاً دمج الطفل داخل أسرته، وأن يتم قبوله من قبل إخوته وأقاربه ثم يأتي دور المدرسة والمجتمع ككل. إن الدمج الحقيقي أن يصل نظام التعليم للنضج الكافي بحيث يستوعب النسبة الأكبر من الطلاب على اختلاف إعاقاتهم في نظام واحد من البداية، وتقديم الخدمات التأهيلية والتربوية والعلاجية المناسبة لهم بما يسهم في تطوير قدراتهم ومساهمتهم الإيجابية في مجتمعهم. هذا هو الدمج الحقيقي ولكنه قد يستغرق عقدين من الزمن.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر