أبواب

رضيع في البرلمان

أحمد حسن الزعبي

كراسي البرلمانات العربية محجوزة لواحد من خمسة: رأس المال، الطائفة، العشيرة، التزوير الرسمي، المصادفة، وقلما تجد كرسياً في برلمان عربي تم الوصول إليه عن طريق برنامج انتخابي أو إرادة واعية للشعب.. لذا من الطبيعي جداً أن تشاهد في جلسات البرلمانات العربية الصراع على المكاسب، ودفع الملايين للوصول إلى تمثيل الشعب المعدم، المشاجرات بالأيدي والتقاذف بقوارير الماء، البحث عن ملوخية، قصائد الغزل في السلطة التنفيذية ومحاولات التقرّب منها بأي طريقة كانت.

هذه الإنسانية بعينها، أن تشعر مع الآخر وتعطيه أولوية المطالبة على نفسك حتى لو كان في الشق الآخر من كوكبك.. الإنسانية أن تبحث عن حياة أفضل للآخر لا عن «الملوخية».

برلمانية عربية تطلب من زميلتها «اثنين كيلو ملوخية» في أهم جلسة يعقدها مجلس النواب، وآخر يبعث برسالة مكتوبة بخط اليد التقطتها عدسات المصوّرين لأحد النواب يسأل رئيس الحكومة «كيف السبيل إليك.. مشتاق جداً إليك»، والمسافة التي تفرق بينهما في المجلس لا تزيد على خمسة أمتار.. والمقصود بالشوق هنا الشوق السياسي وتنفيذ الأوامر.

في البرلمان الأوروبي الوضع مختلف؛ إذ قدّمت نائبة سويدية، اسمها جيت جوتلاند، مداخلتها في مجلس البرلمان الأوروبي حول مجاعة الأطفال ومعها رضيعها الذي يرافقها دائماً في جلسات البرلمان.. لم تخجل ولم تقلق من تقديم مداخلتها المكتوبة بينما يحاول طفلها العبث بميكروفون النائبة، لكنها استخدمت الطفل دليلاً ووثيقة لتشدّ انتباه الأعضاء لكلمتها لتكون أكثر صدقاً وتأثيراً.. جيت جوتلاند قالت في مداخلتها: «السيدة الرئيسة، خلال نقاش داخل البرلمان الأوروبي في شهر فبراير، كنا قد حذّرنا من أزمة إنسانية (مجاعة) في جنوب السودان، نحن الآن نشهد هذه الأزمة، لكن هذا لا يحصل في السودان وحده، فالمجاعة تهدد نيجيريا والصومال ودول أخرى، في ما بات يعرف بأكبر أزمة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية، من غير المعقول أن تموت شعوب بأكملها من الجوع، في حين نحن نملك المعلومات اللازمة، ونعلم ما الذي سيقع، من غير المقبول أن العالم كله يغضّ الطرف.. سيدتي الرئيسة أتكلم كأمّ لعائلة كما فعل العديدون قبلي، من خلال طفلي هذا أرى أطفال العالم، وعندما سأضع طفلي في فراشه آمناً هذا المساء سأكون على علم أنه في أماكن أخرى من العالم أمهات ليست لديهن ضمانات أن ينام أطفالهن وبطونهم ممتلئة، هذا غير مقبول، نحن الأوروبيون علينا أن نكون أكثر تضامناً مع الأطفال الذين يعانون المجاعة».

هذه الإنسانية بعينها، أن تشعر مع الآخر وتعطيه أولوية المطالبة على نفسك حتى لو كان في الشق الآخر من كوكبك.. الإنسانية أن تبحث عن حياة أفضل للآخر لا عن «الملوخية».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر