كل يوم

شيوخنا رمز التواضع.. ولكن تبقى هناك حدود

سامي الريامي

هم شيوخنا، ليسوا بمعزل عن الشعب، ولا هم في أبراج عالية لا يصل إليها المواطن العادي، بل هم من يذهبون لبيوت المواطنين، يشاركونهم أفراحهم، ويواسونهم في أحزانهم، يأكلون طعامهم، ويشربون قهوتهم، فهم لا يتعاملون مع الشعب من زاوية الرؤساء التي يعرفها بقية العالم، بقدر ما يعتبرون كل مواطن في هذه الدولة ابناً وابنة، وأخاً وأختاً، ووالداً ووالدة، هذه هي الزاوية التي تعرفها عيونهم وقلوبهم..

هُم ملوك التواضع، وبه ملكوا قلوب الشعب، وقلوب العالم، لكنهم يبقون رموزاً لهذه الدولة، فالتواضع يزيدهم رفعة وشأناً ومكانة، ولكن على كل مواطن ومواطنة على أرض هذه الدولة أن يُدرك أن تواضع شيوخنا يجب أن يُقابل بتقدير واحترام مضاعف، ويجب ألا ننسى أبداً أنهم رموز الدولة وحكامها، لذا فهناك دائماً خطوط لا ينبغي أبداً تجاوزها من قبل أفراد المجتمع، فمهما كانت طبيعة العلاقة بين الفرد والحاكم، فالفرد يبقى فرداً، والحاكم يبقى في مكانة ومنزلة الحاكم، هكذا هي عاداتنا وتقاليدنا، وهذا ما يحثّ عليه الدين والعُرف والأخلاق وكل البروتوكولات القديمة والحديثة.

شيوخنا اعتادوا التجول بين الناس في الأماكن العامة، هُم يعشقون ذلك، لأنهم يستمتعون بالقرب من المواطنين، لكن على المواطنين أن يقدروا هذا الشيء، فلا يكونوا سبباً في استيائهم، وفي التجمهر حولهم، وفي مضايقتهم بكثرة التصوير، وكثرة الإلحاح في طلب «السيلفي»، هُم لن يرفضوا التصوير مع أحد، ولن يردوا من يصافحهم، ولن يعترضوا على سلوكيات الناس في الأماكن العامة، لأنهم يدركون تماماً أن كل تلك السلوكيات نابعة من حب الناس لهم، لكنهم أيضاً بشر، ويضايقهم ما يضيق به الإنسان، ودائماً فإن كل ما يزيد على الحد ينقلب تلقائياً إلى الضد!

لهم التقدير والاحترام، ولهم مكانة عالية مرتفعة، وهناك أمور كثيرة لا تُفعل أمامهم، وسلوكيات لا تمارس في حضرتهم، وكلمات لا تُلقى على مسامعهم، هُم لم يضعوا ذلك على شكل قوانين كما يفعل كثير من البلدان، لكن الشعب يعرفها تماماً، توارثها أباً عن جد، فهم بالنسبة لنا قامات عالية، وستظل كذلك.

يزورون أفراداً من عامة الشعب في بيوتهم، وهؤلاء الناس الذين يزورونهم هم فعلاً من عامة الشعب، ليسوا وزراء ولا مسؤولين كباراً، ولا هم أُسر مزيفة بهدف الدعاية وكسب التعاطف، فهم لا يحتاجون إلى مثل هذه الدعاية ولا التعاطف، هُم يفعلون ما لا يفعله غيرهم من رؤساء وحكام العالم، فهل جزاء ذلك أن يتجاوز البعض الحدود المتعارف عليها، ويتسبب في إحراجهم، وإثارة أصوات الحاقدين والمتربصين بنا؟!

هل يستحقون منّا أن نكون سبباً في إعطاء مُسوّغ لكل حاسد وعدو لكي يحشو بنادق الغل والإساءة ويصوبها تجاهنا؟ وهل يستحقون أن يجدوا مقابل التواضع والتواصل المباشر مع الناس من يتمادى في ردة الفعل؟! بالتأكيد هو أمر غير مقبول!

«إنها الفرحة والعفوية»، أو «إنها خرجت بشكل غير مقصود»، جميعها أعذار غير مقبولة، لأن الفعل أصلاً غير مقبول، وهو غريب ومستهجن، ولا يجوز فعله أساساً، فكيف إن كان في حضرة قامة وطنية، ورمز من رموز هذه الدولة، وشخصية عالية القيمة والمكانة، بل هو تاج على رؤوسنا جميعاً، وسيبقى أبد الدهر كذلك؟

علموا أولادكم «سنع» معاملة الشيوخ، ازرعوا فيهم حبهم وتقديرهم، وازرعوا فيهم كذلك هيبتهم ووقارهم، وعلموهم ما لا يجوز فعله قبل أن تعلموهم الانطلاق نحوهم والتصوير معهم، أما الكبار فعليهم الرجوع إلى العادات والتقاليد، وتعاليم الدين، عليهم أن يلتزموا بآداب التعامل مع الشخصيات والرموز الرفيعة، وألا يكونوا سبباً في مضايقتهم أو إحراجهم، وأن يدركوا أن التعامل والتخاطب مع الحاكم ليس مطلقاً من دون قيود، بل هو مقيد بإرث اجتماعي وثقافي وديني.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر