أبواب

«أورانج جوس»

أحمد حسن الزعبي

المقاهي الفاخرة لا تدعو إلى الارتياح أبداًً، فمجرّد دخولها يشعرني بأني داخل إلى مؤتمر صحافي أو إلى عرس أرستقراطي رفيع المستوى.

وأكثر ما أكره في المقاهي الراقية «المنيو» المحضّر بطريقة احترافية وإبداعية مرّة على شكل باب قديم، مرّة على شكل خزنة، وثالثة على شكل رقعة تاريخية، بحيث أحتار «هو أنا جاي أشرب قهوة ولا ع برنامج فكّر واربح».. وفوق ذلك يكتبون قائمة الطلبات والأسعار باللغة الإنجليزية وبحروف صغيرة للغاية تشبه حجم الخط المكتوب على بوليصة التأمين أو وصفة الأدوية المضادة لفطريات قدم الرياضي، بحاجة إلى مجهر مكبّر حتى ألمح اسم الطلب، شيشة علكة ونعنع مكتوبة باللغة الإنجليزية هكذا «shisha 3lka un3n3» يعني لو حضر ترامب نفسه هل يستطيع أن يحل هذه الألغاز.. يا أخي هات لي شيشة تفاحتين وكاس شاي كشري، وفارقني إلى لحظة الحساب.

الجميل بالمقاهي الشعبية أنه من الطبيعي أن تجد فردة «شبشب» المعلم حمادة تحت الطاولة مباشرة، كما أنه من وحي الواقع أن تكتشف أن أحد الزبائن نسي الفكّ العلوي من طقم أسنانه على الطاولة المجاورة وعاد إليه بعد المغادرة، ثم أن ملقط الفحم عادي أن يُرمى من زبون إلى زبون، ثم أن المعالق التي تأتيك في قلوب الأكواب أشبه بأذرع منجنيق متقاعد، رأس الملعقة حالك السواد، ورقبتها تعاني نمش القرفة المزمن.. الطاولة ملذّعة بالجمر الساقط، الكراسي مساميرها بارزة ومحروقة أطرافها كأنها كانت تخضع لعمليات تعذيب جماعي.. لكن ما يميّز المقاهي الشعبية أن جميع الزبائن من طبقة واحدة «شيشة سلوم وتفاحتين» و«كشري وشاي بحليب»، والزبون الطيار يطلب نسكافيه حليب في أحسن الأحوال.

لكن أكثر ما يغيظني في المقاهي الراقية عندما يحضر شاب وفتاة، وأول ما يأتي «القرصون يأخذ الطلبات» تطلب الفتاة بكل ثقة «أورانج جوس».. ويا ريتها تقولها بالعربية الفصحى «عصير برتقال».. لا تنطقها على عماها «أورانج جوس». لماذا كل واحدة من زبونات المقاهي الفاخرة تطلب «الأورانج جوس» والكوكتيل والليمون بنعنع.. فقط لتظهر أنها لا تشرب إلا المشروب الصحي والغالي و«الفرش»!.. مع أنها في البيت تشرب الماء من الحنفية - كما كنا نفعل في المدارس - والشاي البايت من فوّهة الإبريق نفسه.. مع سبق الإصرار والترصد في النفخ وتعصير حثالة «الشاي الحل»، حتى تلحق نفسها بكوب ثانٍ بعد صراع مرير مع الأشقاء السبعة الذين يستحوذون على الإبريق بأنانية مفرطة، كما يستحوذ ميسي على الكرة!.. خلك طبيعي واكرع «شاي بحليب» دوماً!.. «شاي بحليب» دائم ولا «أورانج جوس» منقطع!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر