كل يوم

سلطان مثقف عروبي.. يعشق تاريخ العرب ومآثرهم..

سامي الريامي

من يعرف الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، يعرف جيداً أن اسمه مرادف للحكمة والطيبة ومكارم الأخلاق، فهو سلطان بأخلاقه وقيمه العربية الإسلامية، يفخر بها دائماً، ويطبقها دائماً، وهو ذو قلب رحيم واسع، وذو معرفة وعلم وثقافة، وفوق هذا كله فهو عروبي النهج، بل العروبة وتاريخها وعراقتها تجري في دمه، وتستحوذ على قلبه وعقله، يحبها ويعشقها أكثر من أي شيء آخر، لذلك اجتهد وتعب وسهر الليالي يبحث ويقرأ ويكتب ويروي تاريخ العرب منذ ظهورهم على وجه الأرض، إلى يومنا هذا، لم يترك شيئاً من مآثرهم، وعاداتهم، وأصولهم، وشجاعتهم لم يقرأ أو يكتب عنه، لذا فهو عالمٌ حقيقي بكل تفاصيل التاريخ العربي.

صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، لا يستحق من العرب جميعاً إلا الاحترام والشكر والتقدير على جهوده كافة، وعلى جميع مؤلفاته، وعلى وطنيته وقوميته وحبه الشامل لكل بلاد العرب، ولست هنا بصدد ذكر مناقبه وأعماله الجليلة للوطن العربي والعرب، فهي أكبر من أن أحصيها، لكني وددت أن أؤكد مكانة هذه الأمة بكل أقطارها وأرجائها وبلدانها وعواصمها في قلب سموه، فلقد تربى منذ نعومة أظفاره على القيم والعادات والأخلاق العربية والإسلامية الأصيلة، وبذل حياته لرفعة هذه الأمة وتوثيق سيرتها ومسيرتها. وأكثر ما يؤلم سموه هو تردي حال الأمة العربية، ووصولها إلى هذا المستوى من الفرقة والتشاحن.

سموه لم يتفوّه بكلمة جارحة تجاه أي عربي، أو دولة عربية، طوال حياته، لم ولن يفعل ذلك، لأنه يدرك عظمة هذه الأمة وتاريخها الحافل بالمفاخر، ويدرك أن ما تمر به الأمة اليوم هو من التحديات التي ستزول حتماً، إن نشرنا الفكر الصحيح، ونشرنا الثقافة والمعرفة والعلم في جميع أرجاء دولها، وهو يؤمن بأن هذا هو السبيل الصحيح لإحداث صحوة ونقلة نوعية في التفكير العربي، كما أنه يؤمن إيماناً تاماً بأن التحلي بالأخلاق الإسلامية وتطبيقها نهجاً في حياتنا اليومية، هو الطريق لعودة رفعتنا ومكانتنا بين الأمم، وغياب المعرفة والثقافة والأخلاق هو السبب المباشر لما يحدث من قتل وتدمير وتشرذم بين العرب اليوم.

هذا هو محور الحديث الذي أدلى به سموه في العاصمة البريطانية لندن، لم يسئ لأي قطر عربي، ولم يخص بحديثه أي دولة، تحدث عن الثقافة لا عن الحروب والثورات، وضرب مثلاً بأهمية الثقافة في تدعيم أخلاق الإنسان، فتحدث عن قصة شارل ديغول المعروفة، التي كتب عنها كثيرون وتناقلها الكثيرون، إذ عُرف عنه أنه يُجلِس بجانبه دائماً وزير الثقافة حتى عند انعقاد مجلس الحرب، وعندما سألوه عن علاقة وزير الثقافة بقرارات الحروب، قال: «أريده بجانبي حتى يذكرني بإنسانيتي». واسترسل سموه قائلاً: «إن ذلك الوزير أشار على ديغول أيضاً بكسب قلوب العرب من خلال كسب ثقة عبدالناصر، ولكي يكسب عبدالناصر أشار عليه بأن يوافق على استقلال الجزائر».

كلام لا يُنقص من قيمة الثورة الجزائرية، ولا يقلل من شأن الجزائر، التي نعشقها جميعاً، لا يوجد ربط أبداً بين الاثنين، والحديث لم يكن عن الثورة ولا عن الجزائر، بل هو سياق مختلف تماماً، في سياق تأثير الثقافة في الإنسان المتسلط المتشدد الشرس، لدرجة أن يتغير طبعه، وهو لا يعني أبداً أن قرار الموافقة على استقلال الجزائر اتُّخذ بسبب مشورة الوزير، بل هو بسبب الثورة الجزائرية وإصرار الشعب الجزائري بشجاعة وقوة للحصول على استقلاله، ومقاومته المخلصة للاستعمار حتى دحره بعد أن قدم شهداء كثراً، وضحى بالغالي والنفيس من أجل ذلك، وهذا لا يمنع أبداً ولا يتعارض مع وجود أصوات فرنسية كانت مع خروج الفرنسيين من الجزائر، منها صوت وزير الثقافة الذي تحدث عنه الشيخ سلطان.

لا أحد في الإمارات ينكر تضحيات الجزائريين، لقد تعلمنا عن الثورة الجزائرية في مدارسنا ونحن صغار، وقرأنا عنها في كتب التاريخ في جامعاتنا، وكتب عنها كتّابنا ومثقفونا، وتغنى بها شعراؤنا، وجميع أهل الإمارات قادة وشعباً لا يملكون إلا الحب والتقدير للجزائر وأهلها، تربطنا بهم أواصر المحبة منذ زمان بعيد، ولم يعكر صفو هذه العلاقة أي شائب.

ما حدث من ضجة كان بسبب سوء فهم، ولكن لا يخفى أن هناك من أشعل الفتيل، وهناك من يعشق بث الكراهية والفتن، وهناك من اقتطع جزءاً من كلام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حفظه الله، وفصله عن السياق العام، وهناك من تعمد إثارة حفيظة إخواننا وأهلنا في الجزائر، وهناك من انفعل من دون أن يتأكد، وهناك من لا يعرف شخصية هذا الرجل الحكيم وقوميته، لهؤلاء جميعاً أقول بصفتي شاهد عيان في تلك الجلسة: لا يوجد في حديث الشيخ سلطان ما يسيء لإخواننا الجزائريين، وسلطان أحرص الناس على لمّ الشمل العربي، وهو عروبي خالص ومخلص، ويكفي رده الحضاري والراقي لشرح ما حدث، وفي ذلك أكبر دليل على حبه وتقديره للشعب الجزائري، بل إن سموه قال بكل نُبل وشجاعة: «إذا كان أخوتنا في الجزائر اعتبروا ذلك إجحافاً بحقهم، فأنا أعتذر عن ذلك، ولهم كل الود والاحترام»، فهل بعد هذا الرقي رقي، وهل بعد هذه الأخلاق أخلاق؟

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر