5 دقائق

الرفق بالحيوان

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم تعرف الإنسانية رفقاً بالحيوان، فضلاً عن الإنسان، كما عرفته في الإسلام؛ لأنه دين رحمة ومحبة لمن يعيش في هذا الكون، ويتعايش معه على مبدأ التكامل، فهو لم يخلق عبثاً، بل لحكمة بالغة، قد لا يدركها بعض البشر. والرحمة فيه ذاتية ليست لمصلحة أو منفعة، ولذلك نجد في مفتتح كتابنا العزيز ذكر «الرحمن الرحيم»، ويتكرر هذان الاسمان الكريمان في أول كل سورة، ومرات أخرى غيرها، إشارة إلى أن هذين الاسمين الكريمين لذي الرحمة الواسعة، سبحانه وتعالى، ينبغي أن يسود مدلولهما عباده حتى ينالوا رحمته جل شأنه؛ لأن الجزاء يكون من جنس العمل كما ثبت في الحديث «إنما يرحم الله من عباده الرحماء، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وهو حديث مسلسل بالأولية، أي يحرص طلاب العلم المعتنون برواية الحديث أن يسمعوه من مشايخهم أولاً، وقبل كل شيء، ويقول كل راوٍ: حدثني فلان.. وهو أول حديث سمعته منه، ليتربى على الرحمة للخلق أجمعين، فيكون متخلقاً بهذا الخلق العظيم، الذي هو صفة لله رب العالمين، وصفة رسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كما قال الله تعالى عنه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال هو عن نفسه: «إنما أنا رحمة مهداة»، وفي حديث آخر «إنما بعثت رحمة»، وأحق من يُرحم في هذه الدنيا هم الضعفاء من الإنسان والحيوان، الذين تستدر برحمتهم رحمة الله ورزقه ونصره كما ثبت.

وقد كان لرحمة الحيوان في الإسلام الحظ الأوفر من العناية، حثاً وترغيباً وترهيباً، فكان من هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، ورحمته، أنه لم يرضَ أن يفزع طير بفراخه كما ثبت في قصة الحُمُّرة التي فجعت بفراخها، فجاءت الحُمُّرة فجعلت تعرش، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من فجع هذه بولديها؟ ردوا ولديها إليها» ولما شكا الجمل إليه، صلى الله عليه وسلم، أن صاحبه يدئِبُه ويجيعه، قال صلى الله عليه وسلم لصاحبه «ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكاك إليَّ وزعم أنك تجيعه وتدئبه»، وقد قال في حديث آخر: «اتقوا الله في هذه البهائم فاركبوها صالحة وكلوها صالحة»، بل إنه صلى الله عليه وسلم أمر برحمة الحيوان المأكول اللحم حتى عند ذبحه، ونهى أن يعذب برؤية أخيه وهو يذبح، ونهى أن تقتل البهائم صبراً، إلى غير ذلك من وقائع وقصص تدل على عظيم رحمة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، للحيوان، وهو أسوتنا في كل ذلك، وكل ذلك هو تعليم لأمته كيف تتعامل مع هذه البهائم.

هذا هو منهجنا معاشر المسلمين في الرفق بالحيوان، فضلاً عن الرفق بالإنسان، فكيف يكون حال أولئك الذين قتلوا الهرة صبراً بتمكين الكلاب المفترسة من نهشها وأكلها إرباً إرباً وهي حية؟!

وقد أخبرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله غفر لامرأة بغيٍّ من بني إسرائيل، رأت كلباً يلعق الثرى من العطش، فنزغت موقها - أي خفها - ونزلت البئر فاغترفت وسقته، فغفر الله لها، وهذه قصص واقعية يرويها النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وهي حكاية حال عن سنته سبحانه في من يرحم الحيوان أو لا يرحمه، فتجري على من عذب الحيوان بمثل ذلكم العذاب الذي شوهد بذلكم المقطع المرعب عن الهرة المحبوسة بالقفص، فقد تجردوا من معاني الرحمة كما تفعل الدواعش والحشد والبلطجية بإخوانهم من بني الإنسان.

فمثل هؤلاء لديهم سلوك توحشي لا يقل عن توحش الذئاب ونحوها من الحيوانات المفترسة، وإذا كانت تلك الحيوانات تتربى وتتهذب بما يراه مربيها، فإن البشر المتوحشة قد تتأدب كذلك بمثل ذلكم التأديب الذي أمر به سمو الحاكم، حفظه الله ورعاه.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر