5 دقائق

الحالة: مشغول

عبدالله القمزي

تتصل بصديق وتسأله لو كان مشغولاً، فيقول نعم، فتسأله لو كان بالإمكان التحدّث معه قليلاً، فلا يمانع، وغالباً هو يتحدث أكثر منك أو يفتح موضوعات جانبية أخرى. تتصل بآخر وتسأله إن كان مشغولاً، فيقول نعم، فتسأله لو يفضل الاتصال في وقت آخر، فيقول أبداً تفضل.

تجد شخصاً يرسل في إحدى المجموعات نكات وحكماً وقصصاً مذيّلة بكلمة منقول وشائعات وكميات ضخمة من الصور والفيديوهات طوال اليوم، وعندما تدخل على حالته تجد كلمة مشغول! فلا تعلم هل هو مشغول بشيء مهم أم مشغول بإرسال تلك الأشياء!

لن نبالغ لو قلنا إن هناك أشخاصاً مشغولين في أعمالهم الخاصة أو أولئك في المناصب العليا الذين تُسند إليهم الكثير من المهام.

الطلاب والمراهقون يقضون معظم أوقاتهم على مواقع «التظاهر» الاجتماعي يشاهدون مقاطع فيديو لحمقى نصّبوا أنفسهم نصحاء في المجتمع، أو متهورين يجازفون لكسب الإعجاب، والظاهرة منتشرة في دول الخليج. رغم ذلك فإن هؤلاء المراهقين يحرصون على كتابة «مشغول» في خانة الحالة في تطبيقات التراسل.

• الطلاب والمراهقون يقضون معظم أوقاتهم على مواقع التظاهر الاجتماعي يشاهدون مقاطع فيديو لحمقى.

السؤال: هل نحن بالفعل مشغولون؟ أم أننا نتظاهر بذلك؟ ولماذا؟ الإجابات هي كلا، نحن لسنا مشغولين إلى الدرجة التي ندّعيها، ولكننا نحب التظاهر بالانشغال لإسباغ نوع من الحظوة المجتمعية على أنفسنا، لأن في ثقافتنا المحلية من لا عمل له يسمى «بطالي»، من البطالة، وهو عالة على غيره ومنبوذ في المجتمع.

رغم أن أغلبنا مشغول في وظيفته التي تمتد متطلباتها أو مهامها أحياناً إلى ما بعد الدوام الرسمي، إلا أننا نعشق التظاهر بالانشغال طوال اليوم، ونحب إيهام غيرنا بأن العمل لا ينتهي، حتى لا يقال عنا «فلان لا عمل له» أو«فلان فاضي أو بطالي أو ما عنده شغل».

في الحقيقة العمل على مدار الساعة مؤشر خطير إلى انهيار الأسرة وانحراف الأبناء، وهذا موضوع آخر ويتفق عليه الجميع، لكن موضوعنا هو التظاهر بالانشغال، لأنه كما يقال من يتظاهر يكذب على نفسه ويصدق الكذبة ويعيشها فعلاً.

الانشغال في الثقافات الأخرى له معانٍ مختلفة، ففي أوروبا يعني أن الشخص لا يتمتع بمدخول كافٍ، فيعمل قدر الإمكان لضمان دخل مجزٍ، بينما في الولايات المتحدة الأميركية الانشغال الشديد في العمل يدل على أن الشخص غني ويرتقي في السلّم الوظيفي، بل إن هناك دراسات أميركية أثبتت أن الأغنياء الأميركيين عملوا لساعات أطول من الفقراء.

مقابل ثقافة الانشغال، فإن ثقافة قضاء وقت التسلية مقدسة في أوروبا وتحميها القوانين، مثلاً في ألمانيا ممنوع إرسال بريد إلكتروني يتعلق بالعمل إلى موظف بعد انتهاء ساعات دوامه، وتغلق المحال والصيدليات في أوروبا يوم الأحد، ما قد يتسبب في تورط أي زائر يجهل تلك الحقيقة، بينما في أميركا هناك بقالات تعمل 24 ساعة.

مسك الختام: في المجتمعات الزراعية في القرن الـ19 كانت الناس تحب التباهي بأوقات التسلية وليس الانشغال، وكلما ازداد ثراء شخص فإنه يعمل أقل ويهتم بإظهار ذلك. انقلبت المفاهيم والقيم في 100 عام، فأصبح التظاهر بالانشغال دليل الكفاءة والطموح وارتفاع قيمة رأس المال البشري، إنه التظاهر الاجتماعي في أقوى صوره.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر