كل يوم

العزاء.. عبء اجتماعي جديد!

سامي الريامي

نبالغ في أفراحنا، فتُصبح المبالغات عادة مجتمعية، تتحول بعدها إلى أمر حتمي لا يقام فرحٌ من دونه، وتتحول الأفراح إلى أعباء وديون مالية ترافق الزوج لسنين طويلة، ثم يصرخ مجتمع بأسره من ظواهر سلبية هي في الواقع انعكاس لنقطة الصفر الأولى، وهي المبالغة في الفرح!

والآن بدأت ظاهرة المبالغة في الأحزان، لتصبح أكثر همّاً وصرفاً وتبذيراً من الأفراح، فلم نعد نفرق بين الفرح والحزن، وبين خيم الأعراس وخيم العزاء، فكلتاهما كبيرتان وفاخرتان ومؤثثتان، وكلتاهما تزخران بكل ما لذّ وطاب طوال اليوم، وكلتاهما تصل أسعارهما إلى مبالغ خيالية!

العزاء تحوّل، في الآونة الأخيرة، من كونه تظاهرة اجتماعية للتخفيف من أحزان أهل الفقيد أو الفقيدة، والوقوف بجانبهم في محنتهم، وتمضية الأيام الأولى التي تعتبر صعبة جداً بالقرب منهم، فتحوّل فجأة إلى همٍّ إضافي على أهل الميت، يزيد من معاناتهم بدلاً من أن يخفّف عنهم، إنها فعلاً «ضربتان قويتان في الرأس»!

متطلبات العزاء اليوم أصبحت لا تخلو من المبالغات، تماماً كمبالغات الأعراس، بداية من الخيم الفاخرة التي تصل أسعارها الآن إلى أكثر من 100 ألف درهم لثلاثة أيام، وفي حالات أخرى تتجاوز هذا الرقم، وهذا السعر لا يشمل ما بداخلها من عصائر وفواكه ومستلزمات الضيافة المتواصلة لثلاثة أيام، كما أن أهل الميت مضطرون إلى إقامة ولائم متتالية للغداء والعشاء طوال أيام العزاء، للرجال وللنساء، هذه الأعباء المالية تواكبها أعباء نفسية في طول ساعات الالتزام والوقوف لتلقّي العزاء من الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من الليل، كُل ذلك يأتي مترافقاً مع الحزن الأكبر على فقد عزيز أو والد أو أمّ أو ابن، فهل هذا أمر معقول؟!

لم يلزمنا أحد بذلك، ولم يطلب منا ديننا أو عاداتنا شيئاً من هذه المبالغات، فالعزاء، خصوصاً عند الرجال، هو مجرد زيارة خاطفة لا تستغرق عادة أكثر من ربع ساعة، فيها مواساة لأهل الميت، ودعاء للفقيد، وسلام سريع، مع فنجان قهوة عربية، أو «استكانة» شاي، لا أكثر ولا أقل، فكيف تحوّل الأمر إلى هذا الحد المبالغ فيه؟ لا أحد يعرف السرّ في ذلك!

صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، سنّ سُنّة حميدة ورائعة، فاقتصر حفلات أعراس الرجال على ساعات محدودة من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، ليُلغي بذلك ولائم العشاء، ويُخفف كثيراً من تكاليف الأعراس، وأعتقد أننا نحتاج اليوم إلى تعليمات شبيهة لخيم العزاء، على أن تقتصر لساعات معينة، وتتجاوز الصرف على الولائم والمبالغات التي لا داعي لها، وتعود مرة أخرى إلى أساسها وأصلها في التخفيف عن أهل الفقيد بدلاً من تحميلهم همّاً وعبئاً جديداً!

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر