أبواب

بعد الرنة الأولى

أحمد حسن الزعبي

قالت شركة «نوكيا» إن الهاتف الأسطوري، حسن السيرة والسلوك، عطر الأخلاق، صاحب العمر الطويل، والصوت الدافئ، ولعبة الحيّة بمستوياتها الثلاثة، والشاشة الخضراء، واللون الرمادي الداكن، والآلة الحاسبة البدائية، والرنات المحدودة، لاسيما موسيقى موزارت «يا أنا يا أنا أنا وياك»، والرنّة الخاصة بالشركة الفنلندية «ترلم ترلم ترلم ترلم ترااااااام».. نوكيا «3310»، أخيراً سيعود إلى الحياة من جديد، وسيكون بين أيدينا نهاية شهر فبراير الجاري، كما وعدت الشركة جماهير الهاتف المحبوب.

طبعاً هذا الهاتف الملتزم، الشريف العفيف، الذي لم يتورط في قصص الصور الشخصية، ولا المحادثات المرئية، ولا الفايبر، ولا الواتس أب، ولا يعرف طريقاً لمواقع التواصل الاجتماعي، ولا يساعد برسم «القُبل» والورود وقلوب الحب بين المستخدمين، خوفاً من الفتنة والمجاملات الزائفة، هذا الهاتف الذي يتمتّع بسمعة مثل المسك سيعود من جديد بعد 17 سنة، منذ أول ظهور له في عالم الاتصالات.

هذا الهاتف الوقور كان لا يحب كثرة الكلام، فمثلاً إذا أرسل إليك أحدهم رسالة طويلة أو بيتين من الشعر، فإنه يكتفي بالشطر الأول ويحذف الثاني، كما أنه لا يعترف بالكمّ على حساب النوع، فهو مثلاً لا يستطيع أن يحتمل أكثر من 300 اسم في ذاكرته، لأنه يعرف أن من المستحيل أن تهتم بـ300 شخص بالدرجة نفسها، وعليه يستحيل تخزين أكثر من هذا العدد، فإما أن تشطب أو لا تخزنه في الأصل.

بالمناسبة، كنا نتحايل على «نوكيا 3310» وإمكاناته المحدودة ونرسم قلب حب كبيراً بواسطة إشارات الاستفهام المتكررة أو «عيد سعيد» بعلامات التعجب، ونحتفظ بمثل هذه الرسائل لأنها استغرقت وقتاً طويلاً من المصمم حتى أنجزها، بغية إعادة إرسالها في العيدين الفطر والأضحى القادمين، وأعياد ميلاد الأصدقاء والمقربين خلال السنة.

ورغم فرحتي بهذا الخبر، فإنني حزنت كثيراً.. فشركة نوكيا قادرة على أن تعيد «3310» إلى الحياة، لكنها لا تستطيع أن تعيد حامليه إلى الحياة.. ولن تستطيع أن تعيد المكالمات الدافئة بين المغترب وأمه في نهاية الأسبوع، ولا بين الحبيب الغائب والحبيبة المنتظرة، لا تستطيع شركة نوكيا أن تعيد تلك المكالمة الأخيرة قبل الفراق، ولا أن تعيد بحّة الصوت عند البوح عن الأشواق، لا تستطيع «نوكيا» أن تعيد لنا أرقام من رحلوا، ووجوه من رحلوا، وأصوات من رحلوا، وضحكات من رحلوا، لن تستطيع أن تعيد شركة نوكيا قائمة الأسماء المفقودة بسبب «سوفت وير» العمر، أو أثناء النقل إلى الهواتف الذكية المؤثثة بالرفاهية والتنوع والمفروشة بسجاد النسيان...

تستطيع أن تعيد «نوكيا» «3310»، لكنها لن تستطيع أن تعيد صوت أمي بعد الرنة الأولى.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر