كل يوم

هل يستجيب العقلاء لصوت العقل والحكمة؟!

سامي الريامي

صوت الحكمة كان مسموعاً في نبرته الهادئة، وفي كل كلماته، وإجاباته، كانت هيبته حاضرة، ومحاطة بالسكينة، رغم أن كلماته أحياناً كانت شديدة، تحاكي شدة وألم الواقع العربي الذي نعيشه، هو يُدرك التحديات الكبيرة والصعبة التي تمر بها المنطقة، ويمر بها العرب والعالم، ويملك تجربة فريدة وناجحة بامتياز، ليس بشهادتنا نحن أبناء شعبه بل بشهادة العالم، وجميع من حضر القمة العالمية الحكومية من خارج الإمارات، حيث الانبهار والإعجاب في عيونهم وكلماتهم تجاه الإمارات ودبي، ومع ذلك فهو أحرص العرب على استشراف المستقبل، ووضع حلول للتحديات التي يمكن أن يواجهها العالم.

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أبدع في وضع وصفته لاستئناف الحضارة العربية، وتحدث بحكمة وصراحة وتلقائية وحزم في آن واحد، ورغم كل ما يواجه المنطقة من مشكلات وويلات حرب وفقر فإنه يمتلك التفاؤل بعودة الحضارة العربية، فمقوماتها موجودة، لكنها مستترة خلف جدار الفساد وغياب الإدارة، ومتى ما استطاع العرب هدم هذا الجدار ستحظى مجتمعاتهم دون شك بحياة أفضل ومستقبل أجمل.

رسائل كثيرة تضمنتها كلمات محمد بن راشد يغلب عليها روح الأمل والتحدي والحماس وبث الإيجابية، منها ما هو موجّه للعرب جميعاً، ومنها ما خص به مجتمع الإمارات، وخاصة جيل الشباب، ورجع بالذاكرة إلى قبل 12 عاماً عندما خاطب القادة العرب ناصحاً إياهم: «إن لم تتغيروا، ستتغيروا»، قال ذلك ليس من باب العلم بالغيب، ولكنه أجاد قراءة المؤشرات، في حين أن من لم يستطع قراءة المؤشرات طاله التغيير بشكل أو بآخر!

كان حازماً في إجاباته التي تتطلب الحزم، فلا مجاملة في حديث من يريد الصالح العام للأمة العربية بأسرها، فالحاشية الفاسدة هي سبب دمار كثير من الدول، والتقارير المغلوطة التي تصل لبعض القادة وضعتهم في موقف صعب ومحرج وخطير، والفساد هو داء الأمة العربية، وهو السبب الرئيس لجمود وإلغاء معظم المشاريع المفيدة، وتضارب المصالح وسعي المسؤولين للاستفادة الشخصية من وراء كل مشروع، وبشكل أكبر من استفادة البلد، هو أسوأ أنواع الفساد، وسكوت القادة عن الممارسات السلبية التي قد يرونها بسيطة كرشوة موظف في المطار، وهي أكبر علامات فساد البلد بأسره!

رسالة واضحة، أكد عليها، وضرب عليها العديد من الأمثلة، وقارن بين دول ناجحة إدارياً رغم إمكاناتها العادية، ودول فاشلة رغم كبر حجمها وكثرة عدد سكانها، صحيح أنه تحدث عن دول ومشكلات خارجية لكن لم يفتأ يوجه من خلالها رسالة داخلية واضحة وحازمة ومباشرة، فمثل هذه التصرفات في الإمارات خط أحمر، وهي مرفوضة وغير مقبولة، وقالها صراحة: أنا وأخي محمد بن زايد لن نرضى بالفساد!

انتقد وبشدة، لكنها شدة مبررة، الإعلام الطائفي، فهو سبب مباشر في الفُرقة وبث الفتنة والكراهية بين العرب، وهو سبب مباشر للتخلف العربي، فالكراهية تولد العنف، والعنف الذي يمارسه العرب بين بعضهم البعض هو الأسوأ على مر التاريخ، لأن الإعلام الطائفي البغيض هو أسوأ وسائل نشر الكراهية والبغضاء المولدة للعنف!

استطاع محمد بن راشد في ساعة واحدة، مرت كأنها دقيقة أو أقل، أن يملأ قلوب مستمعيه في كل مكان بالتفاؤل وحب المستقبل تارة، وبحب الوطن والإخلاص له تارة أخرى، وبالتحسف وبألم وحرقة على حال العرب، وفُرص النهضة والنمو التي ضيعها قادة عرب تارة أخرى، واستطاع أن يضع وصفة النجاح لمن يريدها، وأسباب الفشل والدمار لمن يريد تجنبهما، فهل يستجيب العقلاء لصوت العقل والحكمة، وهل تُفتح القلوب لكلمات خرجت من قلب قائد عربي مُخلص ومُحب لشعبه ووطنه وأمته العربية؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر