أبواب

عدوى الاكتئاب..

أحمد حسن الزعبي

هل الندرة تجلب السعادة والرضا النفسي؟ أم أنه لا علاقة بينهما.. من الصعب أن أجيب على سؤال وضعته، وربما لا يكون السؤال منطقياً في الأساس، وعلى الأغلب هو هذيان عابر لاختراق مقدمة المقال الصعبة.

للحظة ما أشعر بأن كثرة المعروض تسحب المتعة وتبدد السعادة وتؤثر على الذائقة.. أيّاً كان هذا المعروض، معروض غذائي، فني، أدبي، الخ.

في السابق كان هناك محطة تلفزيونية واحدة تعرض مسلسلاً واحدة للسهرة في الشهر، حتى اليوم وبعد عشرات السنوات ما زلنا نتذكر أحداث المسلسل وأسماء الأبطال وألقابهم في ذلك العمل. كنا نعيش الحالة وندخل في جو العمل ونبكي كثيراً على موت الأبطال ونحقد كثيراً على أرباب الشر في المسلسل الذين يحيكون المؤامرات.. حتى انطبعت الشخصيات في أذهاننا، فالشرير يبقى شريراً حتى لو تغير دوره أو ظهر بمقابلة تلفزيونية تتحدث عن أعماله.. هذه الأعمال على ندرتها كانت تصنع لنا السعادة..

***

من جانب آخر، أنا أنتمي إلى جيل كانت الوجبة المنتظرة ذات القيمة الغذائية الهائلة هي وجبة غداء الجمعة، لأنها تحتوي على دجاجة أو دجاتين، كنا نعد المتبقي من أيام الأسبوع على أصابعنا كما يعد العاشق أيام اللقاء مع حبيبته، والمعشوقة هنا الدجاجة طبعاً.. كان مذاق الدجاج آنذاك مختلفاً تماماً عمّا نأكله اليوم، الإمساك بالفخذ ونهشه بطريقة عرضيه كالعزف على السكسفون متعة لا تضاهيها متعة على الإطلاق، إلا متعة شقيق يمسك برأس الديك أيضاً ويقربه من عينيه بتروٍّ وارتجاف كأنه يريد أن يقنص قبلة من الرأس المحمّر.. العظام المكوّمة أمامنا منظفة تماماً ومرتبة تماماً ومثالية تصلح لأن تهدى إلى مختبر تشريح لطلاب الطب.. وقبل أن يرفع السدر من أمامنا، نودع هذه الوجبة بالقبل والتحسر كما تودع جثامين الزعماء، ثم نستودعها السلامة إلى جمعة مقبلة إن شاء الله.. المسألة ليس لها علاقة بالطفولة وبالذكريات.. يا جماعة الغذاء نفسه كان شهياً ولذيذاً وطبيعياً..

التفاح على سبيل المثال، أول تفاحة قابلتها بشكل نظري كانت في كتاب الحساب الصف الثالث الابتدائي عندما وضعوا خمس تفاحات على اليمين وثلاث تفاحات على اليسار وإشارة «الناقصة» بينهما، وأخيراً إشارة «يساوي» على اليسار.. ثم كتب الله لي أن أقابل التفاح شخصياً بعد سنتين من القراءة والمطالعة والمراسلة والتعارف في كتاب الحساب.. الندرة هنا أيضاً صنعت سعادة..

أحد أخصائيي التغذية قال إن من أسباب اكتئابنا وعدم رضانا عن حياتنا ومستوانا المعيشي وعدم الاستمتاع بالأطعمة أننا نأكل لحوم حيوانات مكتئبة في الأصل..

رد عليه أحدهم: يعني وين أدور تيس مستأنس.. أو دجاجة دمها خفيف.. أو بعير مستلم راتبين! كلها بالهوا سوا.. يا عم

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر