5 دقائق

شورى الإبداع

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الشورى في كل شؤون الدنيا تعتبر أصلاً من أصول نظام المجتمع والسياسة في ديننا الإسلامي الحنيف؛ لأنها تعني جمع الآراء وتنقيحها وأخذ الصالح المفيد منها، فإن الآراء إذا اجتمعت لابد أن تهتدي إلى أرشد أمورها، وبذلك تستقيم أمور الدين والدنيا، ولذلك أمر بها المولى، سبحانه، نبيه المصطفى، صلى الله وسلم عليه، الذي هو أرجح الناس عقلاً، وأكملهم رأياً، وأبلغهم حكمة، وهو فوق ذلك مؤيَّد بالوحي الرباني، ومع كل ذلك يقول له الحق سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، قال الشافعي رحمه الله: لم يجعل الله لهم معه أمراً، ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم، وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من الوحي - وقال أيضاً: «وإنما أمر به، يعني التشاور؛ لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه، ويدله من الأخبار على ما لعله أن يجهله»، وقال الحسن البصري رحمه الله: «علمه الله سبحانه أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده»، أي بالأخذ بالشورى في قضاياهم الدنيوية ومصالحهم الاجتماعية.

لذلك فقد اتخذته أمته منهجاً لها في حياتها حتى مدحهم الله تعالى بقوله: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، فقرن أمر الشورى بالاستجابة لأمر الله ونهيه وإقامة الصلاة؛ لأن في الشورى صلاح الدنيا كما أن في الاستجابة لأمر الله ونهيه وإقامة الصلاة صلاح الدين، والمرء معنيٌّ بصلاح دينه في المقام الأول، ولكن لا يستقيم له أمر الدين إلا بصلاح الدنيا، ولذلك كانت عناية الشريعة بأمر الدنيا تشريعاً وتوجيهاً كعنايتها بأمر الدين توحيداً وعبادة.

وقد كان الخلفاء الراشدون، رضي الله عنهم، يُعنَون بالشورى مع أهل الرأي والحل والعقد، ولاسيما الشباب، فكان أبوبكر الصديق رضي الله عنه «إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار»، وكان عمر، رضي الله عنه، كذلك، كما قال ابن شهاب رحمه الله: «كان عمر بن الخطاب إذا نزل به أمر دعا الشباب، فاستشارهم ؛ يبتغي حِدَّة عقولهم»، ولربما نزلت به النازلة لا يجد فيها نصاً من كتاب أو سنة فيجمع لها مشيخة قريش، كان ذلك منهجه ومنهج من أتى بعده، ومازال عقلاء البشر وحكماؤهم ينهجون هذا النهج المبارك ولا يعدلون عنه.

وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد - حفظه الله - يطبق منهج التشاور في تفعيل برامجه الحكومية ومبادراته الخيرة النافعة، كجلسة التشاور هذه التي عقدت في الأمس بمسمى الخلوة، أي اجتماع العصف الذهني لتوليد الأفكار البناءة وتنقيحها في تفعيل مبادرة عام الخير، التي خرجت برؤى استراتيجية عظيمة تحقق طموح صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وطموح نائبه ورئيس حكومته، لتفعيل عام الخير، حتى يكون الخير سجية وطنية دائمة، ويمتد هذا الخير حتى يصل إلى أصقاع الأرض، فكان ذلكم الاجتماع حاضناً للأفكار الإبداعية العظيمة، وما ذلك إلا ببركة التشاور الخير الذي لا يأتي منه إلا الخير العميم، كما قال بعض الأدباء: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، وقيل في منثور الحكم: المشاورة راحة لك وتعب على غيرك. وقال بعض الحكماء: الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه. وقال بعض البلغاء: من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأي الفذ ربما زلّ، والعقل الفرد ربما ضل. وما أحسن قول بشار بن برد:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ..

                       برأي نصيح أو نصيحة حازمِ

ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً ..

                       فإن الخوافي قوة للقوادمِ.

بارك الله في هذه الجهود ونفع بها المسلمين والناس أجمعين.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر