5 دقائق

مكارم الأخلاق ميدان للتنافس

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتفاضل الناس بالأخلاق الكريمة، وتتفاوت درجاتهم عند الله وعند الناس بحسب تفاوت درجاتهم فيها، فأعظمهم درجة أكرمهم خلقا، إن صحبه إيمان، كما نطق بذلك من لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقوله: «إن أحبكم إلى الله وأقربكم مني أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلى الله وأبعدكم مني الثرثارون المتفيهقون المتشدقون»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً»، وقوله: «إن الله يحب مكارم الأخلاق، ويكره دقيقها وسفسافها».

وما من أحد إلا وهو يرى أن مكارم الأخلاق أنبل مقصد، وأحسن سجية، والكل يتمنى أن يكون متحلياً بها، إلا أن الكثير لا يعرف كيف يتحقق بها، وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم - وهو ذو الخلق العظيم - دل أمته على كيفية إدراكها وتطبيقها حتى يكون المسلم بها متحققاً، فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أدلكم على مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك».

• إعطاؤك من حرمك دليل الكرم والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.

فهذه أمهات مكارم الأخلاق التي إن اكتسبها المرء كان من أشرفهم في الدنيا، وأعظمهم في الآخرة، إن كان مؤمناً بالله وصدّق المرسلين.

وبيان ذلك أن وصلك لمن قطعك، دليل سماحتك وحلمك وعفوك عن الناس ورحمتهم، وعدم الغل أو رؤية النفس، فلذلك لا ترى أن لك حقاً عند أحد، قريباً كان أو بعيداً، بل تشعر بحق الناس عليك، فلذلك تبذله غير منتظر مكافأة.

وإعطاؤك من حرمك دليل الكرم، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والإيمان بأن المعطي هو الله سبحانه الرزاق ذو القوة المتين، فلذلك تبذله لكل من احتاجه، لا لمن تأمل منه المكافأة.

والعفو عن الظالم دليل الحلم، والحلم سيد الأخلاق، ودليل القوة والعزة وسماحة النفس.

فمن اتصف بهذه الأمور الثلاثة كان من أولئك الذين نالوا منقبة مكارم الأخلاق، التي ترشحهم لمحبة الله تعالى ومحبة الناس، إلا أن كثيراً من الناس، مع إعجابهم بذوي الأخلاق الكريمة، فإنهم لا يكادون ينافسونهم فيها، وكما قال سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «يا سبحان الله! ما أزهد كثيراً من الناس في خير، عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً، ولا يخشى عقاباً، لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاح».

فهذا ما ينبغي أن ينظر إليه العاقل في باب التنافس في الخيرات، التي تبقى له ولا تفنى بفنائه، بل ترقيه إلى محبوبية الله تعالى والقرب من منازل النبيين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن أحبكم إلى الله وأقربكم مني أحاسنكم أخلاقاً».

لأن ذلك هو خير ما يكسبه في دنياه وآخرته، أما دنياه فبإكرام الناس له، فيجد لذة السعادة في الدنيا، حيث يرى كل من القريب والبعيد محباً، ومكرماً، ومقيلاً لعثراته، ومقدماً له على نفسه وعياله، لما جُبلت عليه النفوس من حب من أحسن إليها، وأما في الآخرة فبعظيم منزلته التي دلت عليها الدلائل المتكاثرة، منها ما سبق، وهكذا: «ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة»، كما ورد. فما أعظمها من كرامة، وما أجمل قول الشاعر:

فإذا رزقت خليقة محمودةً ... فقد اصطفاك مُقسِّم الأرزاق

والناس هذا حظه مال وذا ... علم وذاك مكارم الأخلاق

ومن كان سليم الطبع راقي الذوق لا يعدل عن هذا الفضل:

أحب مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا

وأصفح عن سباب الناس حلما ... وشر الناس من يهوى السبابا

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر