مزاح.. ورماح

«حنّةٌ بستكية..!!»

عبدالله الشويخ

حين عاد الرجال أخبروا الآخرين بأنهم لم يعثروا على بقيتك!

كان هذا منطقياً جداً، فبقاياك كانت كثيرة.. منها ما هو في قلوب العاملين في مجال العمل الخيري، ومنها ما تركته في ابتسامات أطفال لا تعرفهم، ولا تعرف عنهم الكثير، إلا أنك كنت ترى أنهم سيحجزون لك ذات يوم مقعداً آمناً، لم يضع أحد أبناء الغدر تحته ما يؤذيك، والأهم من ذلك أنك تعلم أنه سيكون بجوار مقعد «سيد ابن آدم»!

حين تسمو الروح وتحلّق، وتترك ذلك الجسد الثقيل، الذي كان يجبرها على العيش في كوكب لا تنتمي إليه، فتعود في حواصل طير خضر إلى أعشاشها في أسفل العرش، وتعود أرواح الشهداء إلى حالتها النورانية، فهل يهمها بالفعل في تلك اللحظات أن تعرف ما يحدث للجسد؟ هل بقي واحداً، أو تحول إلى أشلاء؟ الأمر لا يهم، فالروح واحدة، وقد وصلت على نهاية الاختبار... بنجاح.. وعزة.. وشموخ.. وشهادة!

يقال إن بقايا الشهداء تحمل رائحة الحنّة، تلك الرائحة الهادئة، فهي بعيدة عن ضجيج الروائح المصطنعة السامة، كما أنها تحمل شيئاً من طيبة الأقدمين، فهل شممتها قبل رائحة البارود؟ هل حملت ذكراها إلى هناك؟ هل بقي جزء من رائحة الحنّة في تلك البقايا القندهارية، لكي يؤكد أن الهمّ واحدٌ من جاكرتا إلى الرباط، والألم واحد، والمؤامرة واحدة، والقبلة واحدة، أينما كانت الأجساد؟!

قرأتُ أن أحد الصالحين في عصر ما من عصور الحروب الكثيرة في تاريخنا، كان له الكثير من الطلبة الذين يجلسون في مجلسه للتعلم فترة، ويذهبون للدفاع عن وطنهم ومعتقدهم في الثغور فترات أخرى، فكان يعرف ويخبر من حوله، أن فلاناً لن يعود من تلك الرحلة، وأن الطالب الفلاني لن يعود، وسيستشهد، وغالباً ما كان كلامه يتحقق وبدقة، وحين سُئل عن الطريقة التي يعرف بها أن طالباً ما يقضي أيامه الأخيرة، أجاب أنه يعرف ذلك من نشاطه، فالصالحون وذوو الهمم يكونون في أنشط حالاتهم، وفي قمة عطائهم حين يصبحون قريبين من تسليم الأمانة.

لا أعلم كم واحد من الذين صلوا عليك بلا ركوع ولا سجود قرأ كلماتك الأخيرة، التي كتبتها قبل أسبوعين من ارتقائك، إذ تُذكّر بالشام وأنت تعد العدة لقندهار:

«خرج من الشهباء نحو 20 ألف طفل خلال الأسبوعين الماضيين، بعد أن سجلوا روائع الصبر، وإباء النفس، وشموخ العزة والكرامة، فعندما اخترقت القذائف والقنابل جدران الحديد والصلب أحد منازل المدينة، ظهر الشبل (عمران) من بين الخراب والركام، أمام أجهزة الإعلام العالمية هادئاً صابراً محتسباً، فبكت عليه البواكي، أمّا الطفل عمران فلم تذرف عينه دمعة واحدة، فَعِبَرُ التاريخ تجمعت أمام ناظريه، ليقرأ من بين سطورها وعد الله تعالى: (إن مع العسر يسراً)». كانت هذه كلماتك الأخيرة في البيان.. فهل يا تُرى وصلت رسالتُك؟!

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر