مزاح.. ورماح

«لا أتحدث اللغة ولكن..»

عبدالله الشويخ

على الرغم من وجود العديد من «بيوتات» الخبرة والبحوث لدينا، وأنا لا أعلم لماذا يسمونها «بيوتات» حين يتعلق الأمر بالبحوث، وتبقى «بيوت» حين يتعلق الأمر بالأزياء! رغم أنني أرى بيوتات أكثر دلعاً و«شخلعة»! المهم أن هذه البيوتات لاتزال تقوم بأبحاث كلاسيكية مملة، ولن أستغرب إذا كان جميع مسودات البحوث فيها لا تخرج عن اللونين الأبيض والأسود، أمّا البحوث اللطيفة ذات النظر من زاوية أخرى إلى قضايا المجتمع، فنحـن نكتفي بترجمة فحواها ونقلها من الإعلام الأجنبي.

شخصياً كنت أتمنى قيام أحد (براميل التفكير) بدراسة الحالة النفسية للمواطن العربي وحالته المزاجية وأكثر الأكاذيب التي يستخدمها، وما سبب اضطراره إلى ذلك.. من بحث شخصي أجريته على عينة طفيلية من المجتمع يمكنني القول إن أكثر ثلاث كذبات استهلاكاً على الصعيد المحلي في العام الماضي، كانت: سوف أبدأ بحمية غذائية قاسية خلال الشهر القادم، لدي ملايين عدة ولكنها مجمدة في مشاريع الأسهم الخاسرة وغيرها، أنا لا أتحدث اللغة إياها، ولكن إذا تحدث بها بعض الناس أمامي، فإنني أفهم جوهر الموضوع الذي يتحدثون فيه.

وكما هو واضح أمامكم، فإن الكذبات الثلاث تعكس عقداً عميقة في دواخلنا بداية من عقد الميزان مروراً بعقد الطبقية وانتهاء بالعقد العرقية، أنا لا أفهم اللغة ولكني أفهم فحوى الحديث وكأن أخينا/‏‏‏أخونا جاء بجديد! حين يكون أمامي حوار ساخن بأي لغة كانت حتى ولو كان بالسنستكريتية الأولى، ما قبل الكتب المقدسة، ويقوم في نهاية الحوار أحد الطرفين بصفع الآخر، فأنا أيضاً أستنتج بالطبع أن الحوار لم يكن حول طريقة تجفيف أوراق الليمون، ولكنه خلاف كبير بين الطرفين، عبارة «أنا لا أفهم اللغة لكني أستطيع فهم مجموع الحوار» سخيفة للغاية، يقولها الكثيرون لذب تهمة الانتماء العرقي عن أنفسهم، بينما يقولها لك الخريجون في اللقاءات التوظيفية لكي تقتنع بأنهم يتقنون لغة أجنبية مهمة للوظيفة!

وبالمثل فلو كانت السياسة لغةً لقلت لك الآتي بكل صدق: أنا لا أتحدث هذه اللغة، ولكن إذا تحدث بها بعض الناس أمامي، فإنني أفهم جوهر الموضوع الذي يتحدثون فيه.

أتابع في كل يوم عدداً كبيراً من الصحف والمواقع الإلكترونية لا أفهم ما الذي يحدث، في كل قُطر وكل شبر من هذا الوطن المنهك، الكل يتهم الكل بالعمالة لأميركا، ثم يطالب الكل أميركا بوضع الكل في قوائم الإرهاب الدولية لماذا؟ لأنهم عملاء لأميركا! الكل يتهم الكل بمعاداة الإنسانية ويرغب في شن حروب على الكل وتقطيع أطرافهم ثم تغميسها بالملح وإلقاؤها وهي لاتزال تبلبط لجنود الزومبي، لماذا؟ لأنهم لا يؤمنون بالإنسانية، الفكر الفلاني يحارب الفكر الفلاني لأنه إقصائي، إذاً ما الذي تراه كأفضل أمر يمكن أن نفعله معه؟ يفكر ملياً ثم يقول لك بثقة: علينا أن نقصيه من الساحة! صدقني لا أفهم هذه اللغة ولا أرغب في فهمها، ولكنني أفهم الحوار العام.

الحوار العام يقول باختصار إن هذا العالم المجنون يتجه إلى الهاوية!

وإن أكبر عاقل فيه كما يبدو قد فاز في انتخابات نزيهة أخيراً، وإنه كما وعد سيركل كثيرين! بحسب التعبير الذي استخدمه بالطبع بلغة أخرى لا أفهمها، ولكننا ندرك فحواها جيداً وجربناه لسبعين عاماً مضت!

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر