5 دقائق

أزمة انفلات ثقافي

عبدالله القمزي

لا يمر يوم دون أن تصلك مقاطع فيديو تافهة وسخيفة، أو أخرى لمدِّعي الثقافة، الذين يحفظون الكلام الفارغ المكتوب في كتبهم، ليتلوه علينا في تلك المقاطع، وتنهال عليهم نقرات الإعجاب من مغفلين لم يقرأوا كتباً في حياتهم، واعتمدوا في استقاء معلوماتهم على هؤلاء المدعين.

مدَّعو الثقافة يحرصون على الوجود في كل المنصات، وكتبهم تملأ رفوف المكتبات، ما يعد مؤشراً خطراً إلى تدني مستوى الثقافة بين الشباب، وتشجيعهم على تناول الأمور بمنتهى السطحية.

مدَّعو الثقافة يريدون تثقيف المجتمع وتعليمه دروساً في الحياة، وهم لم يخوضوا تجربة واحدة تستحق التأمل، لا نتحدث عن رجل اشتعل رأسه شيباً، يحكي لنا تجارب 50 عاماً مثلاً، بل نتحدث عن شباب لم يبلغوا الـ40 يريدون تعليمنا من تجاربهم في الحياة، من خلال كتب تتكون صفحاتها من فقرتين مكتوبتين بخط كبير عريض لملء المساحة، ويتحدثون فيها عن قطرات المطر التي تتساقط على نوافذهم، كأنها من مذكرات مراهق، يدس دفتره تحت المخدة قبل النوم!

مدَّعو ثقافة لم يفكر أيٌّ منهم في اتباع قواعد البحث العلمي في كتبه، لم يفكر أيٌّ منهم في دراسة ظاهرة الجماعات الإرهابية، التي تدِّعي الدين، ودراسة خطرها على الشباب، ولم يفكر أيٌّ منهم في تأليف كتاب واحد لتعزيز الولاء للوطن، لم يفكر أيٌّ منهم في تصحيح سلوكيات المجتمع، وتوجيهه وحمايته من الأفكار الدخيلة، بل كلّ اهتمامهم صبَّ في ترويج أنفسهم واللعب على السذج.

إنه عصر التظاهر، عصر ادعاء الملائكية، عصر الزيف والتهريج والشائعات والأكاذيب والتضليل. منصات أبرزت المهرجين ومدعين، ليكونوا نصحاء في المجتمع بكلام مكتوب بأسلوب النثر ولا يحمل وزناً، وكله بديهيات من نوع: الطقس حار صيفاً وبارد شتاء!

• مدَّعو ثقافة لم يفكر أيٌّ منهم في اتباع قواعد البحث العلمي في كتبه.

الأسرة نواة المجتمع!

الماعز يتغذى على العشب!

نم دون التفكير بهموم الغد!

أو ذلك الذي يتأمل باباً حديدياً، ليخبرنا عن الأسرار الفلسفية لذلك العالم المحتجب خلفه!

كتب تطبع بسبب دور نشر لا تهتم بجودة المحتوى، فأين المثقفون الحقيقيون ليتصدوا لهم؟

هناك انفلات فظيع على الساحة يجب التصدي له، من أقلام الكلام التافه، إلى أفواه خدش الحياء، الذين ألقي القبض على أحدهم أخيراً. يجب وضع دليل حسن استخدام وسائل الإعلام الجديد على شكل تطبيق في متاجر التطبيقات الإلكترونية، وفي الوقت نفسه توعية وتثقيف أفراد المجتمع، ليكونوا قادرين على معرفة الفرق بين المثقف ومدَّعي تلك الصفة.

أكتب هذه السطور وأنا أشعر بقلق على أبنائي وأبناء الجيل الجديد، الذين سيعيشون عصراً يسود فيه هؤلاء المدعون والمهرجون، ويتوارى فيه المثقفون الواعون الحقيقيون، الغيورون على مجتمعهم ودولتهم.

مسك الختام: في فيلم «سوورد فيش» مشهد يقول فيه إرهابي يدعى غابرييل لخبير تقنية معلومات: «هل سمعت عن هاري هوديني؟ ثم يسترسل ليفسر كيف كان هوديني ساحراً، يخدع الجمهور عن طريق التضليل، بجعل فيل يختفي أمامهم على مسرح، إن ما تراه العين وتسمعه الأذن يصدقه العقل، إنه التضليل»، فيرد عليه خبير التقنية، قائلاً: «عم تتحدث؟ا لا أفهم شيئاً مما تقوله»، وهو السؤال نفسه الذي يراودني عندما أتصفح كتب «الكلام الفارغ»، التي يؤلفها مدعو الثقافة، أو أسمع ما يقولونه عبر مقاطع الفيديو! نسأل الله السلامة!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر