كل يوم

أقلمة السياسة وعولمة الاقتصاد!

سامي الريامي

عالم اليوم لا يعترف إلا بالقوة، ليس شرطاً أن تكون هذه القوة عسكرية، إذ هنالك ما هو أهم، القوة الاقتصادية، والقوة السياسية، والقدرة على المناورة والتعامل مع الأزمات بحنكة، وباستخدام عناصر القوة الممكنة. الدول التي تعرف إمكاناتها جيداً، وتعرف كيف تسخّر هذه الإمكانات لخدمة مصالحها، لاشك في أنها دول ناجحة في عالم يقوم على مبدأ المصالح.

بدا واضحاً أن العالم، والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، يتجهان اليوم إلى تطبيق سياسة ما يُعرف بأقلمة السياسة وعولمة الاقتصاد، بمعنى ترك المنطقة سياسياً للقوى الإقليمية، دون التدخل بشكل قوي وحاسم، والتركيز على جني الأرباح والفوائد الاقتصادية فقط، وهذا يعني بالضرورة أن على دول الخليج العربي الاستعداد وبشكل قوي وغير مسبوق للاعتماد على الذات، وعدم ترك المجال لدول إقليمية تعتقد أنها أصبحت الأكثر قُرباً من السيطرة الكاملة على المنطقة ودولها، وعلى دول مجلس التعاون تحديداً، فهذه بالنسبة لها فرصة العمر التي طال انتظارها!

قد يكون هذا التحدي هو الأخطر والأكبر الذي تواجهه دولنا، لكنه بالتأكيد ليس الوحيد، فهناك تحدٍّ اقتصادي آخر، ناجم عن تردي أسعار النفط التي أثرت بشكل سلبي مباشر في ميزانيات دول المجلس، وفي الحركة الاقتصادية فيها، وهناك تحدي انتشار العنف في دول عربية قريبة، وتداعيات ذلك على أمن واستقرار دول المجلس، إضافة إلى خطر انتشار الإرهاب، والأفكار المتشددة والمتطرفة التي تساعد على انتشار الإرهاب، وهو أيضاً خطر كبير ومباشر يمس أمن وسلامة وأمان مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك كانت هذه الملفات الساخنة والمقلقة على طاولة البحث والنقاش في اجتماعات الدورة السابعة والثلاثين للمجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، التي اختتمت أعمالها أمس في البحرين.

دول مجلس التعاون تستطيع مواجهة كل ذلك، فهي تمتلك أدوات وإمكانات اقتصادية وعسكرية وسياسية، تجعل منها مجتمعة قوة إقليمية لا يُستهان بحجمها، شريطة أن تبقى مجتمعة ومترابطة ومتلاحمة مع بعضها بعضاً، تبتعد عن كل ما يفرقها، وتقترب من بعضها بالترابط والتعاضد، جميعنا يطمح إلى اتحاد خليجي قوي، لكن الواقع الحالي يُثبت أن مثل هذا الاتحاد يحتاج إلى كثير من التريث والدراسات المستفيضة، ويحتاج إلى مزيد من الوقت، كي يولد قوياً وعملاقاً، فليس من المنطق الاستعجال في الإعلان عن ذلك، دون أن يكون الجميع مستعداً، ودون أن تكون أساسات قيام مثل هذا الاتحاد جاهزة ومتينة وواضحة.

وإلى أن يحين موعد الاتحاد الخليجي، على دول مجلس التعاون أن تُعزز مسيرة التعاون، وتكرس جهودها في الترابط، وتشكيل قوة اقتصادية، وتكتل اقتصادي متين، فهي القاطرة والضمانة لمواجهة التكتلات العالمية، وهي الأساس في التعامل مع دول العالم، التي لا تجيد سوى لغة الأرقام والمصالح، وأن تعتمد على جهودها الذاتية في إدارة سياساتها الخارجية، ومواقفها الإقليمية والدولية، وأن تؤمن بأن حماية أمن واستقرار المنطقة لن يتم مستقبلاً إلا بجهود دول وشعوب المنطقة.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر