لحظة

حياتنا والطيار الآلي

ياسر حارب

صعد (آلِكْس) إلى غرفة نومه وأفكاره تقفز من موضوع إلى آخر حتى توقف عند مُهمّة عليه القيام بها في اليوم التالي. ثم أخذ يفكّر بأفضل طريقة للوصول إلى مكان تلك المهمة، حتى قرر أن يذهب بسيارته. فتذكّر أن تأمين السيارة قد انتهى! قال في نفسه إنه سيستخدم بطاقة ائتمانه لتجديده غداً، لكنه تذكّر بأنه لم يدفع مُستحقات البطاقة! ثم خطرت على باله بعض الفواتير، وغاص في تفاصيل زواج ابنته الذي سيحين موعده قريباً.. ظل ينتقل من فكرة إلى أخرى وهو يخلع ملابسه ويلبس لباس النوم، وإذا بزوجته تناديه من الطابق الأرضي، حينها فقط انتبه آلكس، لقد صعد إلى الغرفة ليلبس لباساً يليق بالحفلة التي سيحضرها مع زوجته، لا لكي يلبس ملابس النوم!

يروي هذه القصة «مارك ويليامز» مؤلف كتاب «الآنية.. ثمانية أسابيع للحصول على السلام في عالم مجنون». وكلمة «آنية» هي اجتهاد شخصي مِنّي لتعريب كلمة Mindfulness التي لم أجد لها تعريباً مقبولاً بالعربية، لكنها تعني باختصار شديد أن يكون ذهنك حاضراً هُنا والآن.

قد يبدو الموضوع سهلاً، لكنه أصعب مما تتصور. فاليوم كُلّنا مثل آلكس، لا نُعاني أمراض الخرف والشيخوخة، لكننا غائبون عن الحياة وعن لحظة «الآن» بالتحديد لأنها اللحظة الحتمية الوحيدة في حياتنا. نفكّر في كل شيء صار، ونقلق من كل ما سيحصل، ورغم أن وظيفة العقل الرئيسة أن يُفكّر، إلا أن حالة آلكس لا تقع ضمن دائرة التفكير، بل «الشّرود». والشرود للذهن يُشبه استهلاك عضلة ما في جسمك بشكل مستمر، وإجبارها على حمل أوزان أكبر من طاقتها. أنت بذلك لا تُمرّنها، بل تسحقها!

يروي مارك تجربة قام بها بعض الباحثين لقياس مدى قدرة الناس اليوم على التركيز، فأرسلوا شخصاً في الشارع ليسأل أحد المارة عن عنوان مكان ما، وما إن يبدأ المُجيب في شرح المكان حتى يمر بين الاثنين شخصان يحملان باباً كبيراً، وبينما هما يعبران بينهما يمشي معهما السائل، ويأتي مكانه شخص آخر بلباس آخر وشكل مختلف تماماً. الغريب هو أن 50% من المارة لم يُلاحظوا تغيّر هوية السائل، ما يدلّنا على حالة الشرود المُزرية التي نعيشها اليوم. ولهذا فعلينا ألا نستغرب عندما نعاني التوتر والقلق والمشكلات النفسية، فنحن نعيش في القرن الـ21 دون أن نملك الأدوات الصحيحة للتحكم في أنفسنا بما يتوافق مع العصر. وكأننا نسكن شقة في الطابق الـ50 إلا أننا ننزل كل يوم لنُخرج الماء من البئر المحفورة بالقرب من ناطحة السحاب!

هذا هو حالنا بالضبط، نظن بأننا بخير ولا نحتاج إلى تدريب أو تعلُّمِ مهارات جديدة، وندّعي بأننا سنعيش بخير كما عاش آباؤنا وأجدادنا من قبل! لكن ظروف أجدادنا مختلفة تماماً عن ظروف حياتنا اليوم، كل شيء قد تغير، ومعظم ما كنّا نعرفه عن حياتهم لم يعد له وجود اليوم. لكن الإنسان ظلّ كما هو، أصبح كائناً بسيطاً يعيش في عالم معقد.

يُسمي مارك هذه الحالة التي نعيشها بوضعية «الطيّار الآلي»، حيث أننا نقوم بمعظم أنشطتنا اليومية دون أن ندرك ما نفعله، وللحد من هذه المشكلة العصرية، وضع برنامجاً مدته ثمانية أسابيع، يحوي تمارين سهلة جداً، لكنها كفيلة بوضع مقود حياتك بين يديك.

اسم الكتاب لمن أراد الفائدة: Mindfulness Finding Peace in a Frantic World

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر