لحظة

مُسرّعات الحضارة

ياسر حارب

يعتبر محمد علي باشا أحد أشهر ولاة مصر إبّان الحُكم العثماني، حيث كان صاحب رؤية بعيدة، ومشروع نهضوي قومي، وضع مصر على خريطة العالم، بعد أن كانت ولاية عثمانية يتنازعون فيها مع المماليك والفرنسيين والإنجليز. وكانت أولى الخطوات التي قام بها عندما حكمها في عام 1805 إنشاء جهاز إداري يتعبه مباشرة.

ومن أهم صفاته أنه كان يتخذ قرارات شجاعة، وبسرعة فائقة، فقام على سبيل المثال بإلغاء قانون الالتزام، وهو قانون عثماني كان يمنح شخصاً معيناً الحق بجباية الضرائب، على أن يدفعها مُسبقاً إلى الحكومة، ثم يقوم هو باستنزاف الناس ليأخذ منهم أكثر مما دفع للدولة. فقام محمد علي بتسجيل الأراضي باسم سكّان القُرى، وجعلهم مسؤولين عنها بشكل مباشر، وعن دفع ضرائبها. وقام بإنشاء أنظمة زراعية حديثة لإيصال المياه إلى الأراضي الخصبة، حتى يتسنى للفلاحين استخدامها طوال العام. وقامت الحكومة بمنحهم البذور والأسمدة، وساعدتهم ليس في الزراعة فقط، بل في البيع والتصدير أيضاً، فمصر بلد زراعي بامتياز، حتى إن الدولة الرومانية عندما كانت تحت سيطرة يوليوس قيصر كانت تستورد القمح منها، ولهذا عندما تنافست كليوباترا مع أخيها على حكم مصر، فطردها واعتلى العرش، سافر قيصر إليهما، وخلع أخاها ووضعها مكانه، لضمان استقرار الحكم، واستمرار تدفق القمح إلى روما.

وفي عهد محمد علي باشا تم حفر التّرعة المحمودية، وهي قناة مائية تصل نهر النيل بالإسكندرية، وبنى الطرق في الدولة، وأنشأ مصانع للزجاج والحديد والورق والجلود والأسلحة والذخيرة، فنهضت مصر في عهده. ولم يكن يأنف من الاستفادة من التجارب الأوروبية، سواء في فرنسا أو إيطاليا.

باختصار، قام محمد علي «بتسريع» عمليات النهضة في مصر، دون أن ينتظر إذناً من أحد، أو يهتم لرأي أحد. وكذلك كانت التجارب الحضارية النهضوية في التاريخ الإنساني تقوم على السّرعة والانضباط والتركيز على المستقبل، وهذا ما يتحدث عنه جيسون جيننغز في كتابه «السريع يلتهم البطيء، وليس الكبير يلتهم الصغير».

وقبل أيام كنتُ في حديث مع وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، محمد القرقاوي، في مركز المسرّعات الحكومية، حيث قال إن مهمة هذه المسرعات هي جمع موظفي المؤسسات الحكومية في مكان واحد، لحل قضية معينة في اليوم نفسه. وضرب مثالاً بمشكلة الحوادث المرورية التي تلتهم أرواح الشباب بكثرة كل عام. ففي هذا المركز سيتم جمع القائمين على شؤون الطرق والمواصلات والأمن المروري وغيرهم، ليخرجوا في اليوم نفسه بحلول عملية، تُطبّق فوراً، للحد من هذه الظاهرة. ولا يسع المكان هنا لذكر بقية المشروعات الحضارية التي تقوم بها الإمارات، إلا أن ما أريد قوله باختصار هو أن هذه الجهود تعتبر أدوات العصر الحديث «لتسريع» تطور البلاد، ولجعل التنمية فعلاً عملياً حقيقياً، وعلى أرض الواقع، ليست شعارات يُتغنّى بها في المناسبات.

في اليوم نفسه ترأس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الاجتماع الأول لمجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد، الذي أُعلن عنه قبل الاجتماع بيوم فقط، وقال لنا كلمة جميلة: «أثق بكم، وأريدكم أن تعملوا بسرعة دبي».

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر