5 دقائق

فضيلة التسامح

الدكتور علاء جراد

استوقفتني كثيراً المعاني التي حملتها خطبة الجمعة الماضية عن فضيلة كلنا في أمسّ الحاجة اليها، ألا وهي فضيلة التسامح، فمن شيم البشر الخطأ، ولا شك في أننا إذا تذكرنا جميع أخطاء وزلات الآخرين فقد نصل لمرحلة عدم التعامل مع أحد، خصوصاً أننا جميعاً لسنا ملائكة. كم من أسر دمرها العناد وعدم التسامح، وكم من علاقات إنسانية انتهت بسبب إصرار كل طرف على موقفه وعناده من دون التنازل عن موقفه، أو حتى إعطاء فرصة للطرف الآخر لمراجعة نفسه وإثبات حسن نيته ورغبته في التسامح. إن دُور القضاء والمحاكم الأسرية تعج بقضايا لا حصر لها، يمكن للكثير منها أن ينتهي بمجرد اعتذار صادق ورغبة حقيقية في تقبل الآخر واحترامه.

لا يعني التسامح الخضوع والانكسار، ولكنه لا يأتي إلا من إنسان قوي.

لا يعني التسامح الخضوع والانكسار، لكنه لا يأتي إلا من إنسان قوي لديه القدرة على كبح لجام غضبه وهواه، وإعلاء القيم الإنسانية النبيلة التي تزيد الإنسان إنسانية وتجعل عالمنا أفضل، وتسهم في الإشباع المعنوي والعاطفي للأجيال الناشئة، لقد أدت العلاقات الأسرية المشوهة بسبب التعنت والإصرار إلى تشوه في نفوس الأبناء وفي بناء شخصياتهم، لدرجة أن الكثير من الأطفال واليافعين الذين عانوا من تلك العلاقات الأسرية غير المستقرة أصبح لديهم فكرة سيئة عن الزواج والأسرة، ونرى ونقرأ الكثير عن فقدان هؤلاء للثقة حتى في أنفسهم. إن حالات الطلاق في وطننا العربي، التي تتم في العام الأول بل وفي الشهور الأولى، في تزايد مستمر، وذلك لا لشيء سوى عدم إعطاء الطرف الآخر فرصة، بالإضافة للعناد وزيادة الهوة من قبل الأهل في كثير من الأحيان.

إن التسامح يعني الرقي ويعني مكارم الأخلاق، وقد حثت الأديان السماوية على التسامح والصفح، وهو أعلى درجة من التسامح، حيث ينسى الإنسان أي جرح أو ألم ويصفح عمن أساء إليه وكأن شيئاً لم يكن، وهو من خُلق المؤمن، وقد أوصانا به رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، كما حثنا القرآن على كظم الغيظ والعفو، إننا نعلم جيداً هذه المفاهيم، لكن الغالب أننا نمر بها مرور الكرام، ونعتقد دائماً أننا الضحية، وأن الطرف الآخر هو المخطئ، فهلا جربنا الوقوف فعلاً على تلك المعاني والتحرك ولو خطوة صغيرة للأمام. هل لنا أن نجرب اليوم الاتصال بشخص بيننا وبينه قطيعة لنعتذر له ونطلب فتح صفحة جديدة من دون عتاب أو نقاش حول مَن المخطئ أو مَن البادئ، ولنتذكر قول المولى عز وجل «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (فصلت 34).

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر