مزاح.. ورماح

«ابتسم.. أنت مطوّعنا!»

عبدالله الشويخ

منذ مدة طويلة اختفت ابتسامة مطوّع الفريج، أو إمام المسجد إذا أحببت أن نسميه بوظيفته لا بصفته الشعبية، اختفاء تلك الابتسامة كانت له أسباب عدة؛ فبالطبع عانى المطوع تلك المجموعات التي قامت باحتلال المسجد وتحويله إلى مركز للفرقة، يختارون المصلين الواعدين ويبدأون بإفهامهم أنهم وحدهم الذين لهم الحق في «الإمامة» وكل ما عداهم نجس! ثم زادت مآسي مطوعنا مع قيام عدد من أولئك النفر بالتطرف إلى أقصى درجاته وفعلوا ما فعلوا، ولكن أبناء الفريج لا يعرفون إلا وضع الجميع في سلة واحدة وانتشرت عبارة «كله من مطوعنا»، بل حدا الأمر بالبعض منع أبنائهم من مرافقة المطوع، وتم إقرار نظام اللعب بـ«الشورت» في المباريات لإحراجه، فيلعب وحيداً وهو حزين.

مطوّع الفريج لم يكن في حياته ينتمي إلى حزب أو تيار ولم يكن داعي فتنة، ولم تكن له يدٌ في أي إساءة قام بها البعض، مستغلين صورته أو وظيفته أو حتى ضحكته الجميلة التي اختفت، تحمّل مطوعنا النغز من الجميع.. وصبر على ضيق الشقة الملحقة بالمساجد الكبيرة المزخرفة، التي لا يتذكر المحسنون البانون لها التقتير إلا حينما يصل الأمر للمنزل المخصص له، تحمل مطوعنا ضعف الرواتب، والتنقل الإجباري بين المساجد، وتحمل طعنات المنافقين في ظهره، والتي لم تكن موجهة إلى شخصه، لكنها موجهة إلى ما يحمله في قلبه، خرجت الضباع من جحورها لكي تعوي بأن فكره ودينه ومنهجه سبب كل تخلف نحن فيه، مطوعنا تحمل الإقصاء والتهميش، وأن يكون أول المتهمين دائماً.. وآخر من يؤخذ بخاطره.. إذا ارتكب مطوعنا هفوة بشرية تحدث عنه الجميع طوال الوقت، وقالوا إنه يشوه الدين، وإذا حاول أن يصبح مثالياً لكي يرضيهم قالوا إنه يريد أن يحتكر الدين ويعلو على منزلة البشر؛ مسكين مطوعنا لا يعرف أنهم لن يرضوا عنه أبداً، وما تخفي صدورهم أكبر، منذ مدة طويلة لم أرَ مطوعنا يبتسم من القلب، ولم أرَ أسنانه البيضاء التي يحرص عليها بمسواك كان يوزعه علينا ذات زمن جميل.

وأخيراً؛ لاح لي أن ثغره قد افترّ عن بارقة، وجهه الوضاء زاد بهاء، كان هناك نوعٌ من المصالحة بينه وبين أهالي الحي، سألنا عن السبب وكان الجواب في القرارات الثلاثة في مدينتي، والتي أعادت جزءاً كبيراً من هيبته، وجزءاً أكبر من كرامته.

القرار الأول كان بإعطاء الضوء الأخضر لكل إمام في حيه بالنصح والإرشاد وهو ما دفع بمعنوياتهم إلى القمة، فهذا الدور الحقيقي، خصوصاً في حال كان أهل الحي يحبون إمامهم، وأوضح القرار أن دوره توجيهي فقط.. القرار الثاني كان بتكفل الحكومة المحلية بتعليم أبناء الأئمة من المراحل الابتدائية وحتى نهاية تعليمهم الجامعي، وهو ما يرفع عنهم ثقل هموم الأيام ومصاريفها، ويجعل تركيزهم على عملهم الرئيس أكبر، وثالث القرارات السعيدة لهم كان ذلك البدل الخاص، الذي يضاف إلى رواتبهم الشهرية، ويضمن لهم حياة كريمة.

ولاشك في أن مثل هذه الأمور ستستقطب من عيون المجتمع أخيرها لهذه الوظيفة، ومن هم أجدر بها وأعلم بدورها الحساس والمفصلي، خصوصاً في الأيام الصعبة، وتجعل في تبوئها منافسة محمودة بين من يقدم أكثر لفريجه ومجتمعه.. أسعد الله من أسعدهم، وأدام البسمة على الفريج والمدينة.

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر