مزاح.. ورماح

«إبداع في التقليد وتقليد في الإبداع»

عبدالله الشويخ

الكثير من الدراسات الإعلامية تتنبأ في كل يوم بأنه العام الأخير بالنسبة للتلفزيون، وأنه قريباً سيلحق أصحابه الذين اختفوا من حياتنا مثل الفاكس والكاميرات الشخصية والتلكس والدرامازاكوفون.. ما هو الدرامازاكوفون؟ لا أعرف! ولكنني أحس بأنه شيء قد اختفى، والدليل أن كلينا لا يعرفه، هذا تكنيك جديد علمني إياه أحد الأصدقاء لكي أبدو بمظهر العالِم ببواطن الأمور، قُل أمراً لا يفهمه المستمع وحبذا لو كان مصطلحاً أعجمياً، والأعجمي هنا عكس العربي ولا داعي لسوء الظن!

في كل عام يخرج التلفاز لسانه لجميع المتنبئين ويقول لهم إن نهايته لم تحن بعد؛ بل تصلهم ترددات عشرات القنوات الجديدة، ومئات البرامج والأسماء الرنانة، إنه التلفاز، ساحر عجوز، ولكن جرابه مازال مليئاً بالمفاجآت، والسبب هو..!! (التغيير) والتغيير والتغيير! حجة محبي التعدد عليهم من الله ما يستحقون، ولا مشكلة هنا بقليل من سوء الظن! نعم إنه الحسد!

ربما كان أحد أهم عناصر نجاح أي مشروع إعلامي هو التغيير المستمر، فالمشاهد الملول مثلي لن يتوانى عن قلب القناة إذا أحس بالملل لحظة واحدة، والجميل هنا أن التغيير على بعد «ضغطة زر»، ضغطة زر حقيقية، وليست مثل التي يعد بها بعض الدوائر الخدمية في تطبيقاتها، ثم تكتشف أن وراء ضغطة الزر سبع زيارات ميدانية لها، ولديك هنا الحرية في استخدام كل سوء الظن الموجود بداخلك (...).

التغيير المستمر في البرامج كان ولايزال لعبة القنوات الفضائية والتلفزيونية والشبكات الترفيهية، وغيرها من المشروعات العربية الإعلامية الكبرى، ولكن هناك مشكلة بسيطة وهي أنه تغيير مستورد بكامله.

البرامج الجماهيرية الكبرى عبارة عن ترجمة ودوبلاج لأمثالها من البرامج الغربية، منها ما كان لطيفاً، ومنها ما كان سخيفاً ومبتذلاً لأن طبيعة مجتمعاتنا لا تتقبله، مقدار السخافة في أن تُحضر لي شخصاً «متضارب معاه» أمام الجمهور، وتطلب مني أن أصالحه، أو أن تضعني على كرسي وتطلب مني الاعتراف أمام أمي بأنني كنت أدخن في أيام الثانوية، هي أمور أقل ما يُقال عنها بأنها مبتذلة، خصوصاً مع الجمهور المستنسخ للتصفيق.. الساعة بخمسين!!

دع عنك المسلسلات التي تعتبر نسخة كربونية من مسلسلات أخرى، وكذلك هي الحال بالنسبة للبرامج المجتمعية وأفكار البرامج الكوميدية، بل بلغت الوقاحة ببعض المنتجين لإعادة إنتاج أفلام غربية بأفكارها وقصصها بالكامل، بطاقم ممثلين جدد يتحدثون العربية!

المحتوى الإعلامي العربي في ورطة حقيقية، بسبب نظريات تقتصر على خيارين: فإما الإبداع في التقليد أو التقليد في الإبداع، أما الإبداع الأصيل وتفصيل برامج خاصة على مقاسات واهتمامات المشاهد العربي فغير مطروح حالياً، ومن الطبيعي أن تلك البرامج لن تحصل على التمويل أو الدعاية أو حتى النجاح اللازم ليس بسبب القنوات بشكل رئيس، بل بسبب المشاهدين أنفسهم أولاً، لأنهم يحبون المستنسخ، ولا يريدون أن يفصّل لهم شيء غير كندورة العيد.

مشاهدون اعتادوا أن يصرخوا فيك كلما رأوك تتابع الأخبار: يا أخي قرفتنا.. حطلنا شي في (لحم)!!

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر