أبواب

عطل وضرر

أحمد حسن الزعبي

كنت مستعجلاً يومها على غير العادة؛ أريد أن ألحق بمقابلة إذاعية صباحية تتحدث عن الكتابة الساخرة، قرّرت أن أعرّج على محطة بترول حتى أتزوّد وأنطلق على طريقة دعايات مشروبات الطاقة، حتى اللحظة لا أدري إن كنت قد انحرفت يميناً بزاوية حادة، أم أن السيارة التي كانت متوقفة على يمين الشارع تحرّكت في اللحظة التي انعطفت فيها صوب محطة الوقود، لكنني سمعت صوت ضربة خفيفة واحتكاك واضح مع رجّة في مؤخرة السيارة، نزلت منها فوجدت سائق السيارة بدأ بعملية اللطم وفتح الأزرار والتأفف، سلمت عليه وتمنيت له السلامة.. وبدأ هو يستعرض الخراب والضرب على الركب والصدر، كل ما في الموضوع أن ضوء سيارته التي تحت الحدادة اندلق للخارج وتبدو ظاهرة للعيان آثار الحف والمعجون وطلاء التأسيس والمرايا المخلوعة من مكانها، قلت له: بسيطة.. فسيارتك على ما يبدو مازالت قيد التصليح، ويمكن أن يرجع «الغمّاز» إلى مكانه، دفعت الغماز بيدي فعاد كما كان.. لكن الرجل كان مصرّاً على استحضار الطقوس المأتمية.. قال كيف بسيطة؟ انظر إلى الباب انظر إلى المعجون المتضرر انظر إلى المرايا لا أدري أين طارت.. قلت له المرايا في الكرسي الخلفي يا شيخ.. فعاد من جديد للعويل: «الأنتين» مكسور.. الجناح الخلفي خرج من مكانه وهذا انبعاج إلى الداخل.. لم يترك علة في السيارة إلا حملني إياها.. عرفت الحكاية! هذا الرجل يريد أن «يستفتح مني» لا أكثر.. المطلوب؟.. قال: «هات 50»!.. أعطيته وغادر كل منا في حال سبيله.

كيف لي أن أجلس خلف الميكرفون، وأتكلم عن الأدب الساخر، وأستشهد ببعض الطرائف والرجل قد نصب عليّ «عينك عينك» وعكّر مزاجي كاملاً.. رويت ما حدث لمخرج العمل على سبيل الفضفضة قبل الدخول في حوار.. وقال لي: أنت محظوظ!.. ثم روى لي قصة والده الذي قد وكز رجلاً مسناً بمقدمة سيارته بسرعة متدنية جداً، ليجري «الحج» المتضرر جميع أصناف الصيانة بأغلى المستشفيات على حساب الوالد.. بدءاً من علاج طبيعي للفخذ، وضخ وحدات دم إضافية، وتنظير للقولون، وتغيير سماعات الأذن، وعلاج تقرّح المعدة، وضبط السكر، وفحص أنزيمات الكبد.. وبعد خروجه من المستشفى بعد أسبوعين من الاستطباب عاد إليهم ابن العجوز يطالب بتعويض مالي، لأن «الحجي» لايزال «يعرج» من الحادث.. فحاول أن يثبت السائق لذويه بكل الصور وتقارير الأطباء أن أياً من الرجلين لم يتضرر ولم يصب بأذى بسبب الحادث لكن دون جدوى، فإما التعويض وإما المحكمة. المهم وصلت القصة للقضاء.. ولم يستطع الرجل كسب القضية إلا عندما أحضر شريط فيديو يعود إلى عام 1998 يثبت أن «العرج» مزمن، وليس بسبب الحادث، إذ أظهر الشريط مقاطع للحجي، وهو يعرج أثناء الرقص في عرس أحد أحفاده، فاقتنع القاضي وحكم بـ«عدم مسؤولية».

لا أدري لِمَ تطرقت إلى هاتين الحادثتين، مع أنني كنت أنوي الكتابة عن التعويضات الأميركية وقانون «جاستا».

على كلٍّ.. اربطوها أنتم...

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر