5 دقائق

تحديات في المهنة

عبدالله القمزي

تغيرت مهنة الصحافة، بطريقة لم يسبق لها مثيل في السنوات العشر الماضية، بل ربما تكون الفترة المذكورة هي الأسرع تطوراً في تاريخ المهنة.

التغيير جاء من بوابة التقنية في المقام الأول، والإنترنت ثانياً، والاثنين ثالثاً! تطور أدوات الصحافي أسهم بلا شك في تطور طريقة تأديته لعمله، وإطلاق مواقع الإنترنت أثر في الصحافة التقليدية، ثم جاءت وسائل الإعلام الجديد، لتؤثر في الاثنين معاً، ولو أنها انحازت للأول.

الأجدر بالصحافي أن يجدد قالب الطرح، بدل الانزواء في منطقة معينة، لأنه يظنها أهم من غيرها.

هناك تحديات كثيرة تواجه الصحافة، منها تحديان كبيران يلمسان عملية الإنتاج في الحرفة بشكل مباشر: الأول هو تحدي الموارد المالية، والثاني النمطية التي أصبحت تسيطر على نظام العمل. للتغلب على الموارد المالية فقد ظهرت حلول عدة، منها بيع المحتوى الإلكتروني، الذي اتخذ أشكالاً مختلفة، من الاشتراكات إلى عرض القصص الحصرية، إلى تقسيم المادة وعرض جزء منها على الموقع، والمادة الشاملة في العدد المطبوع.

حل آخر كان تغيير نظام العمل، وظهور فكرة الصحافي الشامل، الذي يعني أن الصحافي يصنع القصة بأكملها بنفسه، أي هو يبحث ويكتب ويصور وينفذ المقابلات، والتقنية المتوافرة اليوم تدعم هذا الحل أكثر. وهذا الحل طبقته كبرى وسائل الإعلام الغربية، وعلى رأسها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

هذا الحل كان له ثمن هو الاستغناء عن عدد من العاملين في تلك الصحف، خصوصاً المصورين. ولو أنني أظن أن الحل متسرع إلى حد كبير، فالصحف الكبرى في الغرب كان الأجدر بها استغلال هؤلاء في مجالات أخرى، مثل تجميع أفضل الصور الملتقطة في العام في قرص مدمج، أو صنع ألبوم صور يلخص كل أحداث العام، ويباع في الأسواق والمكتبات للمهتمين بالتاريخ والأحداث.

الصحافي الشامل سيؤدي المطلوب منه على أكمل وجه، لكنه بالتأكيد لن يتمكن من سد الفجوة التي سيتركها المصور المحترف.

من ناحية أخرى، فإن ذوبان الحد الفاصل بين التلفزيون والصحيفة المطبوعة، أصبح هو الآخر تحدياً استطاع الكثير من الصحف العالمية كسره. لكن تبقى تساؤلات تستحق الطرح: ما الأسباب التي أدت إلى تخلي القارئ عن الكلمة المكتوبة لصالح محتوى الفيديو؟

الخلل بالتأكيد في نمط الصحافة المطبوعة، التي أصبحت اليوم مساحة للبيانات الصحافية الجاهزة، التي تهم شريحة معينة من الناس فقط، وأيضاً الخلل يمس الصحافي نفسه، الذي أصبح يميل إلى الانتقائية في طريقة عمله، أي أنه يفضل عمل موضوع معين دون غيره، لأنه يظن أن هذا أهم من ذلك.

والأجدر بالصحافي أن يجدد قالب الطرح، بدل الانزواء في منطقة معينة، لأنه يظنها أهم من غيرها. النقطة التي أريد توضيحها هنا أن ليس على الصحافي أن يغطي كل شيء، لكن لا يحق له تجاهل شيء مهم، لأنه هو يظن أنه غير مهم.

مسك الختام: منذ 10 أعوام كنت مراسلاً ميدانياً لقناة تلفزيونية، أغطي كل شيء، واقترحت أن أكتب تقريرين إلى ثلاثة في اليوم وأرسلها من الميدان، وذلك يتطلب تزويدي بأجهزة معينة محمولة، بدل العودة إلى غرفة الأخبار، والمرور بعملية طويلة يحكمها نظام «انتظر دورك»، كانت تستغرق أكثر من ست ساعات أحياناً، من غير احتساب ساعات العمل الميدانية، لإنتاج تقرير واحد فقط من دقائق معدودة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر