5 دقائق

أزمة «التظاهر الاجتماعي»

عبدالله القمزي

1999: عهد ما قبل الهواتف الذكية، أو «زمن الطيبين» ليس هناك سوى «نوكيا» و«أريكسون» و«الكاتل»، الناس تعيش أجمل اللحظات اجتماعياً من المجلس العائلي إلى مجموعة أصدقاء المقهى. كان الشخص، وقتها، ينظر في عينيك عندما يتحدث إليك، كنت تستطيع قراءة مشاعره بسهولة، وتعلم إن كان يقول الحقيقة أم يلبس قناعاً.

2005: «البلاكبيري» تدشن عهد الهواتف الذكية بإصدار جهاز يستقبل البريد الإلكتروني على جهاز كمبيوتر بحجم كف اليد مليء بالأزرار مخصص لرجال الأعمال، وتطلق برنامجاً اسمه «بلاكبيري ماسنجر» (بي بي إم) الذي أحدث ثورة تقنية بنقله الدردشات الإلكترونية من مواقع الإنترنت إلى تلك الأجهزة الذكية.

اليوم: الكل مشغول بمتابعة مختلف أنواع المهرّجين الذين يتفنّنون في التسفيه بأنفسهم.

على الهامش: تغيّر الوضع قليلاً وبدأنا نسمع مصطلح «أضفني إلى قائمتك»، وبدأت الرؤوس تطأطئ في الشاشات.

2010: «البلاكبيري» في عهده الذهبي، وانتقل من طبقة رجال الأعمال إلى كل فئات المجتمع وحتى الأطفال. لم تعد قراءة الوجوه والمشاعر سهلة، لأن الرؤوس طأطأت في الشاشات، والأصابع تلعب على الأزرار وترسل لك أشياء اسمها «إيموجي»، معناها مشاعر إلكترونية!

على الهامش: 1- «النوكيا» يحاول اللحاق دون جدوى، وبروز شيء اسمه «واتس أب».

2- بداية انتشار ما يُعرف بوسائل التواصل الاجتماعي باسمين لامعين: «فيس بوك» و«تويتر».

2012: اهتزاز عرش «بلاكبيري» جراء دخول الـ«آيفون» والـ«سامسونغ» إلى الساحة وتحوّل «واتس أب» إلى وحش التهم حصة «البلاكبيري ماسنجر» من المستخدمين.

على الهامش: بداية انتشار «إنستغرام» بشعار: وثق لحظات حياتك.

2014: نهاية اللحظات الاجتماعية السعيدة، والكل مشغول بتوثيق مكونات مائدة الطعام! وشعار سيارته! ونوع هاتفه الذكي! وتذاكر درجة رجال الأعمال! وبداية تحوّل اختراع وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد إلى مرض اجتماعي.

على الهامش: 1- ظهور أشخاص اتخذوا من التهريج مهنة وأبدعوه على وسائل التواصل التي أصبحت وسائل تظاهر بامتياز! وانتصر فريق المهرجين على فريق المتفاخرين بالمظاهر.

2- بداية انتشار «سناب شات».

اليوم: الكل مشغول بمتابعة مختلف أنواع المهرّجين الذين يتفنّنون في التسفيه بأنفسهم. ذلك يلبس باروكة نسائية ويمثل دور امرأة، وتلك تصوّر نفسها في وضعية تثاؤب، والمتابعون يتنافسون لنقر Likes أو إعجاب على أكثر اللقطات تفاهة وسخفاً وحماقة وإثارة للاشمئزاز، وهناك ثالث أراد أن يتميز فقرر إلقاء هراء ظنه شعراً. وأصبحت قيمة الشخص وأهميته ترتفع وفقاً لحماقته وجهله!

على الهامش: نشرات الأخبار تفقد متابعيها، وكذلك البرامج الثقافية والمفيدة، والكل يريد متابعة مهرّجي وسائل التظاهر الاجتماعي الذين تفنّنوا في تنويع منصاتهم وفعل كل ما هو تافه وسخيف لشدّ الانتباه!

في هذه الأجواء برز أمام أعيننا جيل مصاب بجهل فظيع في المعلومات العامة استبدل كلمة جميل بـ«نايس» تفاخراً بالرطينة أو جهلاً بلغته! جيل يعكس خواءً فكرياً واجتماعياً، بل هي أزمة في عمق عملية التربية بضياع الوقار والرصانة.

مسك الختام: في الثمانينات والتسعينات كان التلفزيون والصحف مصدر المعلومات الوحيد، وكنا نعقد نقاشات سياسية هادفة عن وضع الأمة مع المعلمين، وكنا نحفظ أسماء رؤساء الدول. أما في عهد «غوغل» وتعدد مصادر المعلومات بالمئات على الإنترنت وحدها، فإني بادرت باختبار معلومات أحد متابعي مهرجي التظاهر الاجتماعي قائلاً: أنغيلا ميركل أرسلت تحياتها إليك! فرفع عينه من الشاشة وقال: عليها السلام.. من هذه!

نسأل الله سلامة العقول.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر