5 دقائق

عقيدة المؤامرة

عبدالله القمزي

تسيطر نظرية المؤامرة على بعض العقول سيطرة تامة لدرجة أنها تصبح عقيدة، ومهما حاولت أن تقنع أصحاب هذه العقلية فلن تجد سوى الصدود وصمّ للآذان. إليكم إحدى هذه العقليات من تجربتي الشخصية:

صفته: هذا الرجل ذكي ونبيه، لا يمكن العبث معه أو خداعه نهائياً، مرح جداً، بشوش طيب القلب وخفيف الظل.

موقف 1: في بداية تعارفنا كان يخبرنا أن هناك رمزاً دينياً مخالفاً للعقيدة الإسلامية على برج أيقوني في الإمارة، وأن مصمّم البرج قال في تصريحات إنه فخور بوضعه ذلك الرمز على البرج.

حاولت إقناعه بأن ذلك ليس سوى مهبط للطائرات دون أي فائدة.

موقف 2: كنت أتناول معه طعام العشاء في أحد مطاعم الوجبات السريعة، فقال: أنت لا تعلم ولا أحد يعلم، قد يكون الطعام مغشوشاً ومتلاعباً به ليحدث خللاً في جيناتنا!

حاولت إقناعه أن كل المطاعم مراقبة في الدولة، ودخلنا في جدال عقيم.

موقف 3: العالم أجمع مصدوم من ضربات سبتمبر الإرهابية، وظهر بعض الحمقى من المنتسبين لجماعات ضالة تدّعي الدين يفسرون آيات قرآنية لتتناسب مع خيالاتهم المريضة.

في تلك الأجواء المسمومة أتحفنا صاحبنا أن كل شيء مخطط ومحسوب، والمخطط مرسوم على ورقة 5 دولارات! إذا طويتها بطريقة معينة سيظهر لك الرقم 11!!

لم أحاول إقناعه، لأن المؤامرات، ذلك الوقت، حولت عاملي المقاهي والحلاقين إلى محللين سياسيين!

موقف 4: قرر أن يكمل دراسته، وكان يعاني صعوبات في اللغة الإنجليزية، فأخذ يتهم أميركا وبريطانيا بالتآمر، لأنهما السبب وراء درجاته المتدنية، وأنهما تسببتا في انتشار لغتهما، وبالتالي فرضها علينا.

حاولت إقناعه أن ذلك يسمى القوة الناعمة في السياسة، وأن التآمر يتطلب تخطيطاً سرياً.. لكن دون أي فائدة تذكر!

موقف 5: في عصر ما قبل الهواتف الذكية أرسل صاحبنا مجموعة إيميلات لا يتداولها سوى أشخاص لم يقرأوا صحفاً في حياتهم. كان أحدها مقطع فيديو عن «الأكذوبة الأميركية» بالنزول على سطح القمر، وأن الحدث العالمي ليس سوى مؤامرة دبّرتها واشنطن ونفذتها هوليوود ببراعة، وخدعوا العالم لنصف قرن!

كنت ألهث لأشرح له عن الحرب الباردة التي لم يسمع عنها في حياته، فقاطعني وقال: غريب أنك تشاهد الكثير من الأفلام ولم تستطع كشف اللعبة! أي أنه لم يكلف نفسه حتى الاستماع إلي!

موقف 6: أرسل صاحبنا مقطع فيديو يدّعي خلط مشروب غازي بمواد سمّية بعلم الشركة وموافقة مديرها! وبعد جدل بيننا، أرسل لي مقاطع أخرى كلها تدّعي تلوث مواد غذائية في الدولة. لم أحاول حتى الردّ عليه، نظراً لاستحالة النقاش معه!

مسك الختام: كنت أشاهد فيلماً معه وأعجبه كثيراً، خرجنا من الصالة وأخذ يشيد بجودة الأفلام الأجنبية، وأثناء تناولنا القهوة تذكّر مشهداً أزعجه هو فقط، فقال: حسبي الله عليهم يريدون إفساد عقولنا بتلك المشاهد، بالتأكيد كانت مقصودة من هؤلاء الخبثاء!

نعم، نسي أن الفيلم موجّه للعالم كله، وليس لنا فقط! ونسي كل ما أعجبه في الفيلم من أجل مشهد توهّم أنه جزء من نظرية المؤامرة! تلك هي عقيدة المؤامرة إن سيطرت على عقلية أغلقتها بالكامل.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر