مزاح.. ورماح

«مع ذاتك..!»

عبدالله الشويخ

تولد في عائلة ممتدة، عشرات الأعمام ومئات الأخوال، وكل خالٍ لأحد المنتسبين إلى الشجرة الكريمة هو خال بدوره، تتلقفك آلاف الأيادي، وكل منهم قريب لك بطريقة ما، توضعُ في غرفة تعج بعشرات الرضع مثلك، تدخل إحدى (الخالات) لترضع نصفهم؛ واصمة إياك بعشرات الإخوة الإضافيين، دون أن يكون لك رأي في إخوة الحليب؛ كما لم يكن لك رأي في إخوة الدم، و(أخو الحليب) أخو (أخو الدم)...

في أيام الصفوف الخشبية الجاهزة كان حجم الغرفة ما يقرب من سبعة أمتار في ثمانية، إلا أنها بطريقة ما كانت تستوعب ما يقرب من الأربعين طالباً، وربما تم (دحش) سبعة أو ثمانية آخرين في أحد الفصول بسبب أحداث سياسية في دولة شقيقة، وهكذا فلديك في الاستراحات والفصل عشرات (الكوليجز) على مدار الساعة.

تمر السنوات وعند إرسالك للدراسة في الخارج تصر والدتك وهي تتأكد من وجود ما يكفي من ساندويشات البيض و(الكليجة) في حقيبتك بأن تذهب مع مجموعة؛ لأن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية، تكون المجموعة عبارة عن قبيلة صغيرة تذهب سوياً وتنحرف سوياً وتتطرف سوياً وتعود سوياً.. وبالطبع فإن القاعدة تقول بأن (الكليجة) بركة وستكفي الجميع.

مئات الأصدقاء منثورون كالدر هنا وهناك، مع التقدم في العمر تبدأ عملية التخصص فصديق المسجد يختلف عن صديق السينما، يختلف عن صديق النادي، يختلف عن صديق المغرب (وقتاً لا بلداً) يختلف عن صديق «البلاي ستيشن»، وبسبب الوظيفة أو نمط الحياة أو بحكم المجلس فإنك دائماً ما تجد من يشاركك، أو من يكون بجوارك في السيارة أو خلفك أو حتى في الدبة، ولكن هناك دائماً (حس) حولك.

ينقضي العمر لتكتشف أنك لم تخرج مع نفسك قط..!

هل كنت تخشاها إلى هذه الدرجة؟!

تحس بأنك لا تشعر بالاطمئنان لانفرادها بك، ولكنك بالمقابل تخسر الكثير من التأمل الذي كان ليفيدك في مراحل أبكر من حياتك.

حين تسير في حياتك الصاخبة، فأنت لم تعرف معنى (الخلوة)، لأنك إما مشغول بالحديث مع أحدهم أو الرد على آخر أو الاستماع إلى حوار بين آخرين.

الوحدة ليست دائماً خياراً، ولسيت دائماً عقدة، وقد كتب الأولون والآخرون الكثير في فوائد الخلوة وما تعود به من تجديد وبث روح وهمة، جرّب أن تدعو نفسك ذات يوم على العشاء، جرّب أن تكتشف الجوانب الأخرى فيها، كيف تتصرف إذا كانت وحيدة، كيف هي ردود أفعالها أمامك بعيداً عن الآخرين.

جرّب أن تركز في فيلم في صالة سينما دون بسبسة أو تعليق من أحدهم حول جمال الأبطال، أن تقود أنت سفينتك بالسرعة التي تناسبك، أن تختار ألوان حياتك كما تناسبك، أن تختار الوجهات التي تريد أن تراها... مع نفسك!

إن لم تكن أنت تتحمل نفسك وحيداً.. فمن سيفعل؟

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر