كل يوم

المقياس الحقيقي لحجم الدول

سامي الريامي

نحن دولة صغيرة العدد والمساحة، هذه حقيقة نعرفها جيداً، لكننا نؤمن بأنه لا علاقة بين التطور والتقدم والرقي والوصول إلى المراكز الأولى عالمياً، وبين مساحة الدول وعدد سكانها، فالدول لا تقاس بالحجم، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.. نعم الإمارات دولة صغيرة المساحة، لكنها دولة مؤثرة إيجاباً في المجتمع الدولي، ودولة فاعلة ومتطورة جداً، ولا يمكن أبداً تصنيفها خارج هذا الإطار.

التحديات التي نواجهها كثيرة جداً، والأخطار أيضاً كثيرة، لدينا رصيد جيد ومتميز من الأصدقاء والأشقاء في المجتمع الدولي، وكذلك لدينا أعداء، بل أعداء خطرون جداً، يتمنون إلحاق الضرر بنا وبأمننا واستقرارنا في أية لحظة، لديهم أجندات فعلية لذلك، وهم لن يكتفوا يوماً بالتهديد والصراخ.

ليس ذلك بسرّ، بل هي معلومات مبنية على مؤشرات وحقائق واقعية، ولعل مؤتمر «القادة لحروب المستقبل» الذي عقد أخيراً في أبوظبي تطرق بوضوح لأهم التحديات والأخطار المستقبلية التي تواجه الدولة، وبحث من خلال ورش عمل متخصصة كيفية التعامل مع هذه الأخطار، ومواجهتها والتصدي لها.

التاريخ المعاصر كشف لنا وجود خيارين أمام الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم لكي تحافظ على وجودها وأمنها، وتردع أي احتمالات هوجاء من أعدائها: الأول قائم على الاعتماد على الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن خلاله يتم توقيع اتفاقيات للحماية والدفاع المشترك، وبذلك تستقبل الدول الصغيرة قوات من تلك الدول، وتعتمد عليها اعتماداً كلياً لردع أعدائها، والثاني أكثر صعوبة لكنه أكثر ردعاً أيضاً، وهو خيار امتلاك قنبلة نووية، وبذلك تغلق الباب نهائياً أمام أي عدو، ولن يتجرأ أحد أبداً على الاقتراب منها أو مهاجمتها.

الخياران كلاهما صعب، وكلاهما يحمل الكثير من التبعات المالية والسياسية، التي لا تطيقها الدول، ولذلك فإن اللجوء إليهما أشبه بالانتحار السياسي!

لذلك، من يفكر بعقل ورقي سيجد مخرجاً مختلفاً، وسيهتدي إلى خيار ثالث سهل وبسيط، خيار يبني به ولا يهدم، وهذا في رأيي ما تفعله الإمارات، فهي دولة راقية اختارت مسلكاً جديداً، مسلكاً توثق به علاقات التعاون القائم على الاحترام المتبادل مع مختلف الدول، اختارت توثيق العمل الاقتصادي والاستثماري المشترك مع مختلف دول العالم صغيرها وكبيرها، وسهلت الأعمال للتجار والمستثمرين والشركات والدول، وخلقت بيئة استثمارية جاذبة ومريحة، يعمل فيها الجميع ليستفيدوا ويفيدوا، وبذلك كرّست سمعتها ومكانتها في العالم كجهة اقتصادية وسياحية، ولاشك أن الاقتصاد والمصالح المشتركة وسيلتان راقيتان وفعالتان لتقليل الأعداء.

الإمارات ارتقت خلال السنوات الماضية بفضل التركيز على الاقتصاد والتنمية لتصبح صاحبة المركز الأول عربياً وإقليمياً والـ16 عالمياً في تقرير التنافسية العالمية للعام الجاري، والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس». هذا المنتدى صنف الإمارات ضمن أفضل 20 اقتصاداً تنافسياً في العالم وللمرة الرابعة على التوالي، وحافظت الإمارات أيضاً على تصنيفها ضمن أهم الاقتصادات العالمية والمبنية على الابتكار للسنة التاسعة.

هذا هو الإنجاز الحقيقي، وهذا هو الحجم الحقيقي للإمارات، الحجم المبني على التأثير الاقتصادي والتطور التقني، لا ذلك الحجم المبني على مساحة الدولة وعدد سكانها، والإمارات بهذا المفهوم تفوقت على دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ودول أخرى لا نريد ذكرها، لكننا نريدها فقط أن تعرف حجمها الحقيقي وفق هذا المفهوم الحضاري الراقي!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر