كل يوم

الجزار الفلبيني و«ظاهرة» هروب الخادمات

سامي الريامي

جهود جبارة، في ظل ظروف وملابسات معقدة، لا يمكن وصف صعوبتها، بذلتها فرق العمل في الإدارات المختلفة لشرطة دبي، للتحقيق والتمحيص والبحث عن «الجزار» الفلبيني، الذي قتل امرأة من جنسيته بشكل مروّع وبشع.

القضية هي واحدة من أعقد الجرائم التي حدثت في الدولة بشكل عام، فالجزار لم يكتفِ بجريمة القتل، بل إنه حاول بطرق بشعة أن يخفي كل أثر قد يدل عليها أو عليه، فقام بقطع رأسها ويديها، وحرقهما ودفنهما في إمارة عجمان، فيما رمى بقية الجثة في دبي، دون أن يخلّف قرينة تدل على هوية المجني عليها، أو آثاراً تقود إليه.

ومع ذلك لم يفلت من قبضة شرطة دبي، ونجحت فرق العمل في مهمتها، وأثبتت أنها بالفعل مؤهلة ومدرّبة ومزودة بأحدث التقنيات المتطورة جداً، حيث استطاعت أن تتغلب على المستحيل، ووصلت إلى المتهم في ثلاثة أشهر، وهي تعد فترة زمنية معقولة في ظل صعوبة وتعقيد الجريمة.

كان يمكن أن يسقط المتهم في قبضة الشرطة في وقت أسرع من ذلك، بل إن الشرطة عودتنا على فك طلاسم الجرائم الغامضة في وقت قياسي، لكن هناك عامل خارج صلاحيات وعمل الشرطة أسهم في إطالة مدة البحث والتحقيق والتحري، عامل تحول إلى ظاهرة مقلقة وبشكل خطر، عقب الإعلان عن تفاصيل الجريمة، هي بالأحرى ظاهرة قديمة متجددة بُحّ صوت المواطنين وهم يشكونها في وسائل الإعلام المختلفة، ومنذ سنوات طويلة، لكنها للأسف مازالت دون حل مُرضٍ وعادل لهم.

فرق العمل بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في دبي واجهت تحدياً غير تقليدي، إذ استلزم الأمر البحث عن امرأة من بين 9751 خادمة هاربة ومتغيبة في الدولة، لذلك عملت تلك الفرق على مدار ثلاثة أشهر في مراجعة كشوف المتغيبات، والتواصل مع كفلائهن بجميع الإمارات، وطلبت جزءاً من متعلقاتهن لمقارنته بعينة حمض نووي (دي إن إيه) من جثة القتيلة، المهمة كانت أقرب إلى البحث عن إبرة في كومة من القش، كما وصفها الفريق خميس مطر المزينة، قائد عام شرطة دبي، وأعتقد أنه كان محقاً في هذا الوصف!

قرابة 10 آلاف خادمة هاربات من كفلائهن في الإمارات، رقم ضخم يكشف عن وجود خلل واضح في أنظمة وقوانين وعقود الاستخدام في الدولة، ويؤكد دون شك أن القوانين الحالية ليست كافية، وليست رادعة للحد الذي تمنع فيه انتشار هذه الظاهرة، ما أسهم في وجود عصابات أو «مافيات» أو «بيزنس» موازٍ غير قانوني لخادمات المنازل، فالرقم الحالي لا يمكن أن يكون مجرد حالات هروب فردية، ولا يمكن أن تكون هناك قرابة 10 آلاف خادمة هربت لأسباب سوء المعاملة، مستحيل أن يكون هذا الاستنتاج صحيحاً.

إنها «مافيا» تتحرك بشكل منظم، تتاجر في هؤلاء الخادمات، وتُسهّل هروبهن من المنازل، كما تسهّل حصولهن على أعمال برواتب قد تكون أفضل مالياً ببضع مئات من الدراهم، هذه «المافيا» أو العصابات أو المجموعات درست للأسف قوانين الدولة، وتيقنت أنه لا ضرر كبيراً سيقع على الخادمة جراء هروبها وعملها في مكان آخر، مقارنة بحجم الضرر المالي الأكبر الذي سيقع على كاهل الكفيل، الذي سيخسر كل ما دفعه لمكاتب استقدام العمالة، وسيضطر إلى دفع مبالغ أخرى كبيرة في حالة رغبته في الحصول على خادمة بديلة.

هي ظاهرة مؤذية للمواطنين، والقوانين الحالية تميل بشكل شبه كامل تجاه إعطاء الخادمات أكثر من حقوقهن، والدليل هو زيادة أعداد الهاربات بشكل كبير، وبالتأكيد لا أحد يطالب بانتزاع حقوق العمالة أو الفئات المساندة، كما يسميهم القانون، لكننا ندعو إلى إعادة النظر في حقوق الكفلاء أيضاً، خصوصاً إن لم تكن هناك دواعٍ حقيقية وراء الهروب!

قضية الفلبينية المقتولة هي مجرد ناقوس خطر، وتكرار مثل هذه الجرائم وغيرها وارد جداً، في ظل وجود نحو 10 آلاف خادمة هاربة، هؤلاء لاشك في أنهن عُرضة لممارسات وانتهاكات غير قانونية من أعضاء «مافيا» وعصابات وتجار الخادمات الهاربات.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر