5 دقائق

التعليم مفتاح الغنى

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

قرأت كغيري تغريدة راقية، حُق لها أن تكتب بماء الذهب، أو بماء العينين، تقول: «أسرع طريقة للقضاء على الفقر هي القضاء على الجهل، وسننتقل من إطعام الجائع إلى سقيا العقول وتغذية والأرواح».

هذه الحكمة من حكيم العرب وفارسها وباني نهضة الأمة، وهي أيضاً عزيمة من صاحب العزم الكبير والهمة العالية؛ إنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله ورعاه، أطلقها في تغاريده التويترية، تعبر عن حبه للعلم، وتطلعه لمخرجاته النافعة، التي لا تُقدر بثمن، فإنه رسم بذلك طريق الحضارة المنشود، والغنى المستدام.

• الكهرباء لم تُكتشف إلا بالعلم، والذرّة لم تُدرك إلا بالعلم، والفضاء لم يُستفد منه إلا بالعلم.

لا جرم أن العلم نور البصر والبصيرة، ومفتاح الحضارة، وإكسير السعادة، وطريق العز، وتاج الكمال، فلا يمكن لأمة تريد أن تنال مرادها من ذلك دون أن يكون العلم هو القائد والسائد؛ لأن الله تعالى خلق لعباده ما في الأرض جميعاً وسخّر ذلك لهم، إلا أن مفتاح ذلك التسخير هو العلم، فبه تفتح خزائن الأرض، وتعلم أسرار الكائنات بحسب الطاقة البشرية، فإن الكهرباء لم تُكتشف إلا بالعلم، والذرّة لم تدرك إلا بالعلم، والفضاء لم يُستفد منه إلا بالعلم.. وهكذا مكنونات الأرض لم تُستخرج إلا بالعلم، ويبدأ ذلك العلم صغيراً ثم يطوّر حتى يُنال منه المراد، وتنقلب الأمة بسببه من بؤس الشقاء إلى سعادة ورخاء.

والناس سواسية في هذه العلوم والمعارف في إمكان الوصول إليها، إلا أن الناس صنفان راغب مثابر، وراغب متهاون، أما الراغب المثابر فهو الذي يدرك منه مرامه، ويصل منه إلى مبتغاه، وقد كان أسلافنا المسلمين أكثر الناس سعياً للعلم ؛ لأن الإسلام دعا إليه بحثّ وتأكيد وتحبيذ، حيث أشاد بالعلماء ورفع مكاناتهم، ودعا إلى التعلم والازدياد منه، وأشار إلى أنواع المعارف التي يمكن إدراكها، كما في الآيتين 27-28 من سورة فاطر، فكان سلفنا الماضون ممتثلين لشرع ربهم، وساعين لما ينفع البشرية عموماً ومجتمعاتهم خصوصاً، فسبقوا إلى معارف لم تكن معلومة لغيرهم، بقائمة يطول ذكرها من أسمائهم وأسماء العلوم التي سبقوا أو برزوا فيها، فأصبحوا مراجع لغيرهم، قد لا تكون خافية على كثير من القراء.

وقد أصبح العلم اليوم سهل المنال، معاناً عليه صاحبه وراغبه، فهذه دولتنا الراقية أولته جل اهتمامها، فلم تدع سبيلاً ممكناً للعلم إلا فتحته لأبنائها ويسرته لغيرهم، وها هو الشيخ محمد، حفظه الله، يطمح لأن يبذله لفاقديه، ولاسيما الدول النامية التي ترزح تحت خط الفقر، لينقلها إلى عز الغنى بالعلم الذي يفتح لها مخزونات أرضها التي قدرها الله فيها.

لقد خلق الله البشرية وهي لا تعلم شيئاً ولكن ميزها بخاصية العلم المكتسب أو الفطري، فكان سبباً لتكريمها وإظهار ميزتها على الملائكة المقربين، فلا يجوز لها أن تتخلى عن هذه الخصوصية التكريمية؛ لأنها إن فعلت ذلك ستكون قد قادت نفسها إلى الفناء في عالم التحضر والتقدم، وهذا هو حال الصنف الثاني من الناس، وهو الراغب المتهاون، أي المتكاسل عن طلب العلوم والابتكار، فإن العلم لا يدرك بالتمني، ولا ينال مع الكسل أو البخل في الإنفاق عليه، فالأمة التي لا تسعى إليه بكل جهدها، ولا تسخّر له كل طاقاتها ستبقى بعيدة عن كل متمنى لها ولشعبها، بل يذوق ذلك الشعب مر الجهل، وألم التخلف، وهوان الاستجداء، وسخرية الأغنياء، بل وتسخيرهم لمرادهم التوسعي والاستعماري، وهذا ما لا يمكن تصوره، فضلاً عن قبوله من قادة أفذاذ كقادتنا الأخيار، فإنه يقول في تغريدة أخرى له: لدينا حلم بتخريج أجيال مثقفة واعية متسامحة وقادرة على صنع مستقبل مختلف، ونصيحتي لكل معلم ومربي ومسؤول في مدارسنا بأن لا يتخلوا عن هذا الحلم.

حقق الله ما يتمناه في دينه ودنياه وشعبه وأمته.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر