5 دقائق

غرباء في الظلام

عبدالله القمزي

أرتاد السينما منذ أكثر من عقدين، وأشاهد أصنافاً عدة من الناس، ومع الوقت أصبحت خبيراً بسلوكياتهم وطباعهم، وهو ما ساعدني على اتخاذ قرارات حسنت من تجربتي في مشاهدة الأفلام. إليكم الأصناف:

أولاً، «مهووسو وسائل التظاهر الاجتماعي»:

هؤلاء يعبثون بهواتفهم سواء كان الفيلم جيداً أو سيئاً، المهم أنهم يريدون إثبات نجوميتهم الوهمية لمتابعيهم الافتراضيين.

مهووسو وسائل التظاهر الاجتماعي يريدون إثبات نجوميتهم الوهمية لمتابعيهم الافتراضيين.

فمثلاً كثيراً ما أرى أشخاصاً حولي في الصالة يصوّرون الفيلم بتطبيق «سناب شات» قبل أن يتركوا الصالة قبل انقضاء ساعة من الفيلم!

ثانياً، «المفاوضون»: هذا الصنف من الممكن ملاحظته قبل دخول الصالة، إذ يتوقفون مدة تصل إلى نصف ساعة يتفاوضون مع بائع/‏‏‏ بائعة التذاكر على الفيلم الذي يريدون مشاهدته، كأنها مفاوضات سلام! وداخل الصالة يحدث التالي:

أثناء مشاهدتي لفيلم منذ شهر دخلت فتاتان وأرادتا الجلوس في المقعد الذي بجانبي، والذي تحتله سيدة آسيوية، فطلبتا منها أن تسلم المقعد وتنتقل لمقعدها الأصلي، فرفضت، ثم بدأت مفاوضات ذكرتني بمفاوضات أوسلو للسلام، ثم خرجتا وجلبتا مديرة القاعة لتقنع السيدة الآسيوية التي أصرت على رفضها، فاضطرتا للانتقال إلى آخر الصف! كل هذا على حساب تجربتي في الفيلم؛ لأنهما كانتا تقفان أمامي بالضبط!

ثالثاً، «حمّود وعبّود»: هذا الصنف عبارة عن رجلين يجلسان خلفك تماماً وتسمع حوارهما التالي:

كنت أستمتع بمشاهدة فيلم لستيفن سيغال، وكان شخصان خلفي أحدهما يسمي الآخر حمّود، فعلمت أن الأول هو عبّود! اتصل بهما صديقهما فنصحاه بإيقاف سيارته جنب سيارتهما، ثم قال حمّود: ما أعرف احنا وين.. ما أعرف اسم الفيلم!

رابعاً، «المغادرون الأوائل»: البعض فقط من هذا الصنف هم النسخة الجديدة أو المطورة من «حمّود وعبّود»، دائماً يخرجون من الصالة قبل نهاية الفيلم بـ15 دقيقة على الأقل! والسبب أنهم شاهدوا الأكشن!

خامساً، «المفسرون»: هذا الصنف يحب تفسير كل شيء حتى لو لم يكن هناك تفسير:

أثناء مشاهدتي لفيلم شبه صامت معتمد على أداء الممثل فقط، كان خلفي رجل تحدث طوال مدة العرض عن الفيلم وعن شؤون الحياة الأخرى ولم يصمت إطلاقاً. وأتمنى من الشركة المنتجة للفيلم أن تستخدم تفسيراته ضمنDirector’s Commentary أو تعليق المخرج على العمل الذي نشاهده ضمن محتويات أقراص «دي في دي»، إكراماً له حتى لا تذهب أنفاسه أو تفسيراته سدى!

سادساً، «محطّمو الظهور»: هؤلاء منتشرون في كل الأفلام تقريباً، وهم متخصصون في رفس المقعد بسبب أو من دونه! لا تجلسوا أمامهم في أفلام الرعب!

هذه حدثت منذ زمن بعيد، كان هناك مشهد مفاجئ لكن غير مخيف، فرفس الفتى الجالس خلفي مقعدي رفسات عدة متتالية كادت تكسر عمودي الفقري، وأطلق صرخة فزع طويلة، فنظرت خلفي وكان لايزال يصرخ كأنه شاهد جنياً أمامه!

نتيجة لبعض المواقف المذكورة أعلاه اتخذت قراراً بالجلوس في المقاعد الأمامية فقط حتى أستمتع بالفيلم وأبتعد عن مضايقات غرباء الظلام.

مسك الختام: كنت في دولة أوروبية أحاول الاحتماء من عاصفة رعدية، فدخلت صالة سينما قريبة، في الصالة كان الصوت الوحيد غير صوت الفيلم صادراً من أكلي للفشار، فشعرت بالحرج ووضعته جانباً إلى أن خرجت.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر