أبواب

أول حركة تمرّد

أحمد حسن الزعبي

لم يعجبني تعلّق الأولاد بالأجهزة الإلكترونية التي يتفاعلون معها برموش العيون وبرؤوس الأصابع، حتى صاروا ينسون أنفسهم لساعات طوال وهم ينظرون، يبتسمون، يقهقهون، يسرحون، يحزنون في المستطيل الذي بين أيديهم منفصلين عن الواقع تماماً، حيث لم يعد صوتي مسموعاً وصارت نصائحي بترك الأجهزة والجلوس معنا أو تحضير الدروس تسقط على الأرض فور خروجها من فمي تماماً كطلقات مسدسات البلاستيك.. كما أن شرعيتي تآكلت إلى حدٍّ ما فلم أعد بنظرهم سوى كائن حي يرتدي «فانيلا» وسروالاً ويتجول بين الغرف بلا هدف.. ولأنني الحاكم بأمر الله فقد أصدرت فرماناً بمصادرة جهاز «التابليت» وجميع الهواتف الذكية التي تحتوي على ألعاب.. ثم غادرت كالعادة في مشوار قصير إلى السوق مطمئناً أن الأمور تسير وفق المعتاد.. بعد نصف ساعة وردني اتصال من أم العيال أن الأولاد غادروا المنزل إلى جهة غير معلومة وأنها تشتمّ رائحة انقلاب في الأفق، ثم قاطعت حديثها بخبر عاجل أن أحدهما قام بقصف شباك المطبخ بقشور رمان، كما شاهدت فردة «شبشب» تحلّق على ارتفاع منخفض من غرفتي في خرق واضح للسيادة.. على الفور قمت بعمل تسجيل صوتي على «السكايبي» طمأنت العائلة فيه على سلامتي، وأن ما يجري هي عملية تمرّد صغيرة سوف تنتهي في غضون دقائق، وها أنا بطريق عودتي إلى البيت..

وبالفعل فور وصولي استمعت إلى تقرير مفصّل من أم العيال عن حركة التمرّد، وكيف وشوش «حمزة» أخاه «عبّود» وغادرا المكان غاضبين خارج البيت بسبب مصادرة الأجهزة، في الوقت نفسه قالت «جونيا» قائد سلاح المشاة إنها شاهدتهما يغادران إلى سطح البيت في وقت باكر من فشل الانقلاب، وحاولا أن يقطعا الماء عنّا بعد الاستيلاء على «محبس» الماء الرئيس الممتد من الخزّان.. في هذه الأثناء استعدنا السيطرة على مداخل ومخارج بيت الدرج، وعاد كمبيوتري الشخصي للعمل بعد أن أعدنا توصيل «الراوتر»، حيث رجع بث «النت» كالمعتاد، وأحكمنا السيطرة على البيت بشكل كامل في غضون ساعات، حيث أعلنت بقية العائلة «لميس» و«حسن» و«جونيا» موقفهم مع الشرعية رافضين حركة التمرّد تلك، ثم دعوتهم للنزول إلى الصالون لحين تنظيف البيت تماماً من شظايا الانقلاب.. «حمزة» العقل المدبّر للانقلاب الفاشل لجأ إلى بيت عمّه.. حيث طالبت بتسليمه حسب الاتفاقية المبرمة بين الطرفين في تسليم المجرمين الخطرين.. بينما تم إلقاء القبض على «عبود» خلف الخزان قبيل الغروب ومصادرة ذخيرته من «بزر البطيخ والمعمول» واستلام حمزة من على الباب ومن ثم تقديمهما لمحاكمة عادلة.

أووف.. بدأت الحياة تتغير.. وهم صغار كان ينصاعون لك ويطيعون أوامرك.. فتشعر بأنك تدير بيتاً.. عندما يكبرون قليلاً وينبت التمرّد على طباعهم.. تشعر أنك تحكم دولة وليس مجرد بيت صغير!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر